الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصحت أمي فخاصمتني، فكيف أراضيها؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة خجولة جداً وعصبية، ولي ثلاثة إخوة ذكور، وأنا دائماً مع أمي، بدأت أحاول الالتزام دينياً، وأن أكون قريبة أكثر من أمي، وأنصح أهل بيتي، ولكن أمي في بعض الأحيان تتكلم عن الناس، وهي طبعاً تتكلم عن طيب قلب وعفوية، وهي متسامحة جداً، وقلبها أبيض، وأنا أحبها جداً، وصرت أتضايق كثيراً عندما تتكلم عن أحدٍ، لأنني أخاف أن نحاسب عليه، وصرت أقاطعها إذا اغتابت أحداً.

آخر مرة تكلمت عن فتاة، وقالت إن نيتها كذا وكذا، وأنا تكلمت مع أمي بشكل وقح، وقلت لها: من أين عرفت أن نيتها كذا؟ وقلت: هذا حرام. سكتت أمي ولم تعد تتكلم، ندمت جداً، وشعرت أني كنت حقيرة عندما تكلمت معها بهذا الأسلوب، وصرت أبكي في غرفتي ندماً، وكنت خائفة أن أكون عاقة.

في اليوم الثاني أحسست أن أمي متضايقة، وتختصر الكلام معي، تضايقت من نفسي، وحاولت أن أعتذر منها، ولكن لم أستطع، لأنني أخجل، ولأننا لم نتعود في البيت أن نعبر عن مشاعرنا، فصرت ألمح لها بالكلام أنني نادمة، فقلت لها: بالأمس تكلمنا عن فلانة، وأخشى أن نحاسب على ذلك، فقالت أمي بعصبية: ماذا تكلمت عنها، أنا لم أقل شيئاً.

شعرت أنني أفسدت الموضوع أكثر، فقلت لها إن صديقتي كانت تغتاب، وأيضًا زعلت مني لأنني قاطعت كلامها، فقالت أمي: ولماذا زعلت صديقتك؟ فقلت لها: صديقتي لا تهمني.

لا أعرف إن فهمت أمي قصدي، ولكني شعرت أنها تغيرت، وصوتها تغير معي، ولا أعلم إن كان إحساسي صحيحاً، فهل أنا فتاة سيئة وعاقة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شهد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة-، ونشكر لك حسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يرزقنا وإيّاك برَّ آبائنا والأمهات في حياتهم وبعد الممات.

سعدنا جدًّا لحرصك على الالتزام، ونسأل الله أن يُعينك على الخير، ونؤكد أنك أصبت في نصحك للوالدة، ولكننا نريد أن نتفق معك على الطريقة التي ننصح بها الوالد أو الوالدة؛ فإن الإنسان يجب عليه أن ينصح لوالديه؛ لأن هذه أمانة ومسؤولية، وهي دليل على الحب، ودليل على الخوف على الوالدين أن ننصحهما عند عصيان الله تبارك وتعالى، ولكن ونحن نفعل ذلك ينبغي أن نراعي: الأسلوب، الأدب، الوقت، الألفاظ، وقدوتُنا في ذلك خليل الرحمن، الذي كان والده سادنًا وقائدًا للأوثان، فلاطفه بقوله: {يا أبتِ ... يا أبتِ ... يا أبتِ ... يا أبتِ ...}، ثم اشتدَّ الأب فقال: {لئن لم تنته لأرجمنَّك واهجرني مليًّا} فلم يشتدّ إبراهيم عليه السلام، ولم يقل "أنتم كذا وأنا سأفرح، وأنا لا أريدكم"، وإنما قال: {سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًّا}، ثم قال: {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله}.

وهكذا ينبغي أن نفعل، فنحن ننصح بلطف، ننتقي الألفاظ، نُقدِّم بين يدي نُصحنا حسنات وبراً وإحساناً وابتسامات، ثم نقدّم النصيحة، فإذا شعرنا أن الوالد أو الوالدة لم يرض ننسحب بهدوء، ثم نُقدِّم صنوفًا من البرِّ والإحسان، ثم نكرّر النصيحة.

فإذًا أرجو أن تستمري في النصح، ولكن بمنتهى اللطف، وتختاري الأوقات، لا تُقاطعي الوالدة، ولا تحاولي أن تضعي - كما يقال - رأسك برأسها، فأنت لا تُجادلين زميلة أو شقيقاً لك داخل البيت، أنت تناقشين الوالدة، لها حق البر، ولها حق الإحسان، ونحن علينا ألَّا نُطيعها إذا أمرتنا بمعصية، أمَّا ما عدا ذلك فينبغي أن تُطاع، بل وهم يأمرون بمعصية، القرآن يقول: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا}، إذا وصلت لدرجة تقول (اكفري بالله، لا تصلي) الله قال: {فلا تُطعهما}، ولم يقل: جادليها، ولا خاصميها، ولا كذا، وإنما قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا}، قالت أسماء - رضي الله عنها -: (أتتني أمّي وهي مُشركة وهي راغبة) تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، (أفصلُ أُمِّي؟) قال: (نعم صِلي أُمَّك)، هذه عظمة هذه الشريعة.

ما حصل منك لا شيء عليك فيه، إنما هو غيْرَة تُشكرين عليها، ولكن نتمنّى أن يتغيّر الأسلوب، لاطفي الوالدة، اعتذري لها، احضنيها وابكي، قبّلي رأسها، حاولي أن تخرجي أيضًا من عدم التعبير عن المشاعر، فإن هذا من الأمور المهمّة، ونحن بالتدريب نستطيع أن نتعوّد عليه، نتعوّد على الاعتذار، نتعوّد على اللطف، نتعوّد على تقبيل رأس الأم، ويد الأم، على إشعارها بالأهمية، شُكرها على ما قامت به تجاهنا، وأنت على خير.

ولا تحاولي الحزن ممَّا حصل؛ فالحزن من الشيطان، وأنت فعلت خيرًا، وأمرت بمعروف، وفعلت طاعة، وفعلاً هذا يجعل الحسنات تذهب للآخرين عندما نغتابهم، لنكون مفلسين -عياذًا بالله-، ولكن هذا الصواب ينبغي أن ينتقل للوالدة بمنتهى اللطف، وبمنتهى الاحترام، وإذا اشتدّت الوالدة فلا تشتدّي، ولكن يمكنك أن تنسحبي بهدوء، ثم تُحسني الاستماع لها إذا غضبت، لا تُقاطعيها، ثم بعد ذلك اجتهدي في صنوف من البر -كما أشرنا-.

ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً