الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي أمراض نفسية وصرت أخبر بذلك من يخطبني

السؤال

السلام عليكم

أنا مصابة بمرض عقلي نفسي عصبي، اسمه اكتئاب واضطراب ثنائي القطب، (بايبولر) وهذا يسبب فقدان عقلي في نوبات الهوس.

أما نوبات الاكتئاب أحزن، ولكن يكون بفترات أمر بفترة إفاقة قد تصل لسنة، مع العلاج المستمر.

إذا انخطبت كيف أخبر الخاطب أني مريضة، وقد أخبرتهم من قبل ورفض إكمال الخطبة أكثر من خاطب، وصار عندهم علم أني مريضة نفسياً، وهذا يؤلم أكثر -الحمد لله- وما هو توقيت الإخبار، بعد الخطبة أم بعد الرؤية الشرعية؟

علماً بأني بفترة الإفاقة لا يكتشف مرضي لأني أكون سوية، لكن بفترة الانتكاسة جداً أتدهور، ولا أريد غش الخاطب، وأحب أن أبني حياتي على الصدق.

علماً بأن أغلب خطوباتي تكون أثناء فترة إفاقة، ولم يكتشفوا مرضي، ولكن أنا من أخبرهم، لأني أحب الصدق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.
أولاً: نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يَمُنَّ عليك بالعافية والشفاء، وأن يُعجّل لك بذلك، ونذكّرُك – ابنتنا العزيزة – بعظيم الأجر وكثير الثواب الذي يُرتّبه الله تعالى على المصائب في هذه الحياة، لمن صبر واحتسب، حتى يتمنّى الإنسان يوم القيامة حين يرى ثواب الصابرين أنه قُرضَ بالمقاريض – يعني قُطِّع جلده بأدوات التقطيع كالمقص ونحوه – لما يرى من الثواب والأجر، والله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: {إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.

وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء ثم الأمْثَلُ فالأمثل، حتى يُبْتَلى العبد على قدر دينه ذاك، فإن كان صلْبَ الدِّين ابُتلى على قَدْر ذاك)، وقال مرةً: (وإن كان في دينه رقَّةٌ ابتُلي على قدر ذاك)، وقال مرةً: (على حَسب دينه)، قال: (فمَا تَبْرحُ البلايا عن العبد حتى يَمشي في الأرض وما عليه من خطيئة) يعني أن الله سبحانه وتعالى قد يبتلي الإنسان لأنه يُحبُّه، فهو يريد له خيرًا كثيرًا لا يصل إليه بعمله، فيُقدّر عليه من المصائب ليُثيبه ثوابًا عظيمًا، بصبره واحتسابه.

نسأل الله أن يُعينك على الاحتساب والصبر، ومع هذا ننصحك بالنصيحة التي نصح بها النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأُمّة فقال: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دواءً)، وقال: (تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً)، فخذي بالأسباب المشروعة واصبري حتى يأذن الله تعالى لك بالفرج، نسأل الله أن يُعجّل به.

أمَّا عمَّا تفعلينه من إخبار الخاطب بما فيك من العيب الذي ذكرته – وهو فُقدانك للعقل في نوبات – فهذا هو السلوك الصحيح الذي تفعلينه والذي صرّح كثير من الفقهاء بأنه واجب، وكوني على ثقةٍ تامَّة من أن القدر الذي قد قدّره الله تعالى لك سيكون لا محالة، فالكذب والغش لن يجلب لك رزقًا لم يُقدّره الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ – يعني جبريل - نَفَثَ فِي رَوْعِي، أنه لَنْ تَمُوت نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَقْصَى رِزْقَهَا وأجلَها، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ)، وفي رواية أخرى زيادة: (وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ رِزْقِهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ).

واجب على الإنسان المسلم – رجلاً أو امرأة – أن يأخذ بالأسباب المباحة المشروعة للوصول إلى الأقدار التي يُحبُّها، فالرزق مقسوم، وقد كتب الله تعالى قبل أن تُخلقي قدرك هل ستتزوجين أو لا تتزوجين، فاستمري على ما أنت عليه من بيان حالتك بصدقٍ ونُصحٍ، وتجنّبي الغش، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من غشَّ فليس مِنَّا)، واعلمي أن قدر الله كائن لا محالة، فإذا أراد الله تعالى لك الخير في الزواج فإنه سيُيَسِّر لك مَن يرضى بهذا العيب، أو يُيَسّر لك الشفاء.

كوني متفائلة، واعلمي أن الله سبحانه وتعالى أهلٌ لأن نظنَّ به الظنَّ الجميل، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظُنّ بي ما شاء).

نسأل الله أن يُقدّر لك الخير حيث كان ويُرضّيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً