الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي تؤذيني نفسياً فلا أتكلم معها، هل أنا آثمة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أحياناً لا أتكلم مع أمي لعدة أيام، وهذا بسبب أنها أصبحت تؤذيني نفسياً، حتى توصلني لمرحلة البكاء والاكتئاب، علماً أنها لم تكن هكذا سابقاً، لكن بسبب الظروف أصبحت مصدراً لأحزاني، وقلقي بطريقة غير مباشرة، وأنا لكي أجنب نفسي هذا، لا أتحدث معها، فلدي أمل أن تعود كالسابق، لكنني في كل مرة أنصدم، ولا أستطيع أن أكمل هكذا.

سؤالي: هل أعتبر آثمة إن لم أتكلم معها؟ مع العلم أني إن طلبت شيئاً، أقوم به، أو أن أسألها عن شيء، بمعنى أن العلاقة بيننا تصبح رسمية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك لك في عمرك، وأن يسعدك، ويحفظ لك والدتك، ويعينك على برها، إنه جواد كريم، بر رحيم.

أختنا الكريمة: دعينا ابتداء نتفق على عدة حقائق ستكون المنطلق الطبيعي للجواب على سؤالك:

أولاً: لن يحب الولد أحداً أكثر من أبويه، محال أن تجدي في الدنيا من يحبك كحبها، ومن يتألم لك كتألمها، ومن يبكي عليك ويفرح لفرحك مثل هذه الأم التي أبقاها الله لك، وهو حب فطري تفعله الأم دون أن تنتظر له مقابلاً، أو تتوقع حتى ذلك.

ثانياً: لن يعوض أحد غياب الأم، بل لو اجتمعت الدنيا كلها لن تعوضك لحظة واحدة من حنان أمك، وسلي كل فتاة رحلت والدتها، سليها ما أمنيتك، ستقول لك: أن تعود فأقبل جبينها، أن أناديها فتسمعني وترد عليّ، الأم -يا أختنا- راحلة عن دنياك، وتلك سنة الحياة، وإن كل من رحلت عنها أمها ظلت تبكيها، وتبكي كل لحظة لم تستطع أن تستغلها.

ثالثاً: لا يعني ما قدمنا أن الأم معصومة من الخطأ، لا، قد تخطئ، لكن يستحيل أن تتعمد أذية ابنتها، أو تتعمد تكدير خاطرها، وهذا هو الفارق بينها وبين أخطاء غيرها.

رابعاً: البر بالآباء ليس معاوضة، بمعنى إن أحسنت إليك أن تحسني إليها، وإن أساءت أن تبتعدي عنها، بل البر بها واجب وإن حرضتك على الكفر بالله، انظري، البر بها واجب وإن دفعتك للكفر بالله، هكذا قضى الله تعالى فقال: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

خامساً: النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحل للمسلم أن يعرض عن أخيه المسلم ثلاثة أيام، فقال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) إذا كان هذا بالمسلم فكيف الأم؟!

سادساً: من الطبيعي أن تختلف بعض المعايير الحاكمة بينك وبين والدتك، وأن تختلفا هذا أمر وارد وطبيعي، ولكن المطلوب ساعتها إرغام النفس على القبول بحديث الأم عند الاختلاف ما لم يكن حراماً، وهنا يظهر البار الصادق من الدعي، تحملك للوالدة -حفظها الله-، والسعي في إرضائها، هو الواجب عليك، وتذكري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن الوصال المكافئ ليس هو الوصال، المطلوب من المسلم الحرص عليه والصبر، بل وصال من يؤذيك وصاله هو الوصال الحق، فقال:( لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) وهذا أيضا مع غير الوالدين -أختنا المباركة-.

وعليه فإننا ننصحك بتفهم والدتك، وماذا تريد وماذا لا تريد، وإن أصابك منها ما يؤذيك فابتسمي لها عن حب وود، وثقي أن فطرتها لك لن تتغير، وأن حبها لك لم ينقطع، فلا تستبدليها ولا تبتعدي عنها ولو للحظة، فما أحبك أحد كحبها، ولا تعب لأجلك أحد كما تعبت.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً