الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم سني ولم أوفق للزواج بسبب ظروفي المادية!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب ابن أصل وخلوق، وأميل إلى الالتزام والتدين، تأخرت في الزواج بسبب الماديات ومعارضة الوالد على الرغم من قدرته على المساعدة، وعدم اهتمام الأهل بزواجي، وكل ذلك أوقعني في المحرمات للأسف، حتى لحقني الأذى وأصبت باحتقان البروستاتا التي أعاني منها منذ أكثر من شهرين إلى الآن، وأعراضها بدأت في التحسن -بفضل الله-، وكنت أظنها حالة خطرة كثيراً.

سؤالي هو: ما جمعته من مال حتى هذه السن يعتبر محدودًا، ويكفي لتأمين شيء بسيط من الحياة، وكنت دائماً أحاول في السنوات السابقة استثمار مدخراتي لتأمين استقرار أكبر في الدخل، لكني لم أوفق قط.

عندما أقدم على الزواج، أشعر برغبة عارمة في التراجع عنه، تصل إلى حد التعب الجسدي، وأدعو الله بأن لا يتم الأمر، أنا لا أملك مسكناً ولا عملاً مستقراً، وحتى المسكن الحكومي الذي حصل عليه غيري من الشباب خلال عامين أو ثلاثة، لا أستطيع الحصول عليه إلا بعد ست سنوات، بسبب انتظار موظفي الإسكان الرشوة دون طلبها بشكل مباشر، ولأنني لم أفهم ذلك تم تأجيلي لسنوات أخرى رغم اكتمال أوراقي وسلامتها، والشكوى لم تجدِ نفعًا.

أشعر أن الزواج ليس مناسباً لي، فأنا مقتنع بأن الأوان قد فات، وأنني طلبته كثيراً دون توفيق، ولم تعد هناك فائدة من الزواج مع كبر سني، وكذلك أحوالي المادية التي تدعو إلى السخرية، وأحوال بلدي الاقتصادية الآخذة في التدهور.

أخشى السخرية من ظروفي وسني، ومن عدم إمكانية توفير الاستقرار للفتاة التي أرتبط بها، المفترض أنني سأتقدم إلى خطبة فتاة اليوم، ولولا تحديد الموعد لتراجعت كليًا، أشعر بأن الزواج لن يكون موفقاً وسينتهي بالطلاق عن قريب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك في عمرك، وأن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أخي الفاضل: إننا نحمد الله إليك تلك التوبة ونسأل الله أن يثبتك عليها، كما نحمد الله إليك تلك المعافاة في البدن، ونسأل الله أن يديم عليك نعمه، إنه جواد كريم.

ما أجمل أن ينعم الله على العبد بعد الدين بالعافية، فكم من شاب في مثل عمرك يراسلنا وقد ابتلاه الله بمرض عضال في الكلى يحتاج إلى الذهاب للغسيل والانتظار في الطابور ليوم كامل، يفعل ذلك ثلاث مرات في الأسبوع، ويعلم أن المسألة ستطول، وأن الحل مكلف وغير متاح، ومع ذلك يتكيف ويرضى، وغيره يبكي حرقة من ضرورة إجراء عملية لولده على جهة السرعة، وليس معه شيء، وغيره عنده تليف في الكبد ويعيش منتظرًا قضاء الله بعدما يئس من العلاج، كل هؤلاء شباب -أخي- في مثل عمرك، وربما بعضهم أقل، نسأل الله أن يشفيهم وأن يثبتهم على الحق، وفي الوقت ذاته نحمد الله أن عافاك من الأمراض، ونسأل الله لك المعافاة في الدنيا والآخرة.

أخي الكريم: أنت دون الأربعين، وهذا السن في بعض البلاد -ومنها القاهرة- ليس بكبير، بل ربما تراه في بعض المناطق طبيعيًا، بالطبع نحن نرى أن السن متأخر، ولكن ليس بالصورة التي تنظر بها أو تتحدث بها، أنت اليوم تستطيع أن تتزوج وتستطيع أن تبني بيتك، وترزق بالأولاد وتفرح بهم، فلا تدخل قفص الوسوسة ولا حجر اليأس، وعليك بالتفاؤل والجد والتوكل والعمل.

أخي الكريم: مشكلتك الرئيسة في أمرين:

1- الوهم الذي أصبح حقيقة في أن السن لم يعد مناسبًا.
2- الضعف المادي.

أما الأول: فقد ذكرنا لك أن السن في بعض المناطق مناسب، وفي غيرها كبير نسبيًا فقط، وهذا يعني أن الشيطان دخل لك من هذا المدخل ليزهدك، أو يصرفك، أو يمد حبل عمرك حتى تتجاوز الخمسين، وهنا يحكم سيطرته بهذا الوهم عليك، فانتبه.

وأما الثاني: فإننا نبشرك أولًا بمعونة الله تعالى لك، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف) أخرجه الترمذي وغيره وصححه الشيخ الألباني، وهذا يعنى أنك معان على هذا الخير، متى ما كانت النية صادقة للعفاف، ونحن هنا نوصيك بما يلي:

1- البحث عن امرأة صالحة من أسرة صالحة، تبحث عن رجل صالح لابنتهم، لا عن بنك متحرك، وستجد -إن شاء الله - ذلك.

2- ابدأ حياتك -أخي- بغير إسراف، وابتعد عن الكماليات والتحسينات، واحصر ما تريده في الحاجيات، فإن هذا أدعى إلى التيسير عليك وعليهم.

3- لا تستحضر النماذج السلبية وأنت ذاهب للرؤية الشرعية، ولا تستحضر التجارب الفاشلة بعد أن تتزوج، بل عندك اليوم من العقل والحكمة ما يجعل حياتك أكثر إشراقًا، سيما إذا أخذتها متدينة.

4- لا تقدم على أمر إلا بعد استشارة واستخارة، واعلم أن الخير يرقبك متى ما فعلت ذلك.

ابدأ حياتك -أخي- فالعمر ما زال أمامك، واستعن بالله عز وجل، واجتهد واعلم أنك معان، نسأل الله أن يوفقك وأن يسعدك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً