الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي لا تصلي وتريد السفر للخارج، فكيف أعيدها للصواب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ترغب أختي في العمل في مجال الحلويات، والسفر إلى بلاد الغرب للدراسة والعمل.

لديها وظيفة معلمة في المرحلة الثانوية في مهنة التعليم التي أتعبتها، لكنها نعمة من الله، عاودتها فكرة السفر بعد سفر صديقتها إلى ماليزيا للدراسة، وأصبحت أختي متسخطة وغير راضية، ولو رضت لن تحقق أحلامها كما تقول، وأصبحت تنقطع عن الصلاة، تقول أن الله خلقنا حتى يعذبنا، فكيف بإمكان بعض الناس أن يسافروا ويتمتعوا وهم عصاة، ونحن محرومون، والله خلقنا لإرضائه، ولكن لابد أن يكون للحياة جانب نحقق فيه ما نريد.

تحدث معها بأن الدنيا امتحان، ويجب أن نسعى لرضا الله، وننظر إلى نعمه، وأرسلت لها دورات علمية نافعة لتتعلم دينها، لكنها لم تلتحق بها، أخبرتها بحرمة السفر دون محرم لكنها لا تستمع.

دعاها خالي للسفر إلى فرنسا لكنها لم تمنح التأشيرة بعد، اتصلت بمدرسة لتعليم الحلويات في بريطانيا وتريد الذهاب، رغم نصحي لها أنا وأخي، وأمي ليست راضية بذلك، وأبي غير مهتم إن سافرت أو لم تسافر.

أجرت أختي مقابلة مع المدرسة عبر الإنترنت بدون حجاب، وحينما سألتها قالت أنها مع امرأة، أدعو الله أن لا تتوفق فيها، تريدني أن أشجعها لتحقيق ما تريد، وأن أفرح لو سافرت للخارج، أو داخل الوطن حتى تلتحق بدورات تعليم الحلويات، كل ما أفعله هو القلق، ولدي قناعة بأنه يمكنها تحقيق ما تطمح له لأن لديها موهبةً، وهي تتقن صنع الحلويات، والأمر لا يستدعي السفر لتحقيق ما تريد.

خائفة من أن تبدل دينها لو سافرت، أو يغضب الله عليها لعنادها وعدم استجابتها للنصيحة، هل أقطاعها لو سافرت؟

علما هي إلى الآن منقطعة عن الصلاة.

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك أختنا الكريمة في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يمن عليك بطاعته وأن يصلح حال أختك إنه جواد كريم.

أختنا الفاضلة: جزاك الله خيرا على نصحك وحرصك على أختك وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم تجاه المسلمين جميعا فكيف برحمه.

ثانيا: ما تفعله الأخت مريع وحقا مثل هذه يخشى عليها الفتنة، بل هي قد وقعت في بدايتها حين تركت الصلاة وهذا أمر جلل وخطير، ونسال الله السلامة والعافية.

ثالثا: الأصل عدم هجر المسلم لأخيه المسلم فوق ثلاث ليال إلا لعذر شرعي، فقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) {الحجرات:10}، وقال صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري ومسلم.

وقال: تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا. رواه مسلم. وقال أيضا: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. رواه أبو داود.

لذا ننصحك أختنا ألا تكفي عن نصحها، خاصة وأنت تعلمين حكم تارك الصلاة، وتعلمين ما يترتب علي ذلك من أحكام شرعية.

كما ننصحك أختنا أن توصلي لها بعض المعلومات عن الرضا بالقدر بأسلوب سهل وميسر، وبعد التجارب الحقيقة لمن ذهب إلى هناك فرأى الواقع المر الأليم، كل هذه محاولات حتى لا نصل إلى الهجر.

لكن إذا كان الهجر لمصلحة ولم يتبق إلا هو فجائز بل أحيانا يكون واجبا، قال الشيخ ابن العربي المالكي: وأما إن كانت الهجرة لأمر أنكر عليه من الدين كمعصية فعلها أو بدعة اعتقدها، فيهجره حتى ينزع عن فعله وعقده، فقد أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هجران الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة حتى صحت توبتهم عند الله، فأعلمه فعاد إليهم. عارضة الأحوذي 8/91.

وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب ما يجوز من الهجران لمن عصى، وقال كعب حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامنا وذكر خمسين ليلة.

وقال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري: أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز؛ لأن عموم النهي مخصوص لمن لم يكن لهجره سبب مشروع، فبين هنا السبب المسوغ للهجر وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها.

وعليه، فلا بأس بهجر أختك إن كان ذلك رادعا لها، على أن يكون بشرطين:
الأول: كون هذا الهجر لحق الله وليس لحظ النفس وهواها.

الثاني: التأكد من كون أختك لم تنثن عن فكرتها، وأن الهجر لها أفضل من وصلها.

فإذا علمتم أنه بالوصل ينصلح حالها وترتدع عن غيها فالوصل أولى.

نسأل الله أن يهديها وأن يصلحها وأن يردها إلى الحق ردا جميلا والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً