الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الوالدين فيما لا مقدور عليه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أعرف حكم الله وشريعته في طاعة وبر الوالدين، وأنا ملتزم شهريًا بدعم والدي بالمال الميسور حسب الإمكانية دون انقطاع، خصوصًا في ظل أن والدي دون راتب شهري، ولن أقصر معه في أي متطلبات أخرى، وبالمقدور عليه.

علمًا بأنني مستأجر منزلا خارج بيت الوالد، مع عائلتي المكونة من زوجتي وخمسة أبناء، ومتكفل بمصاريف بيت متكامل، مصاريف مدارس، وجامعات.

وبقية إخواني جميعًا في بيت الوالد، ومنهم من دخله أكثر مني، ولا يتضايق والدي ووالدتي إلا مني أنا، حين يصادف متطالباتهم الطارئة، وأنا على خط الإفلاس فيرغمونني أن أقترض أو أستدين.

علمًا بأني ملتزم بالمعلوم الشهري من المال فور ما أستلم راتبي، كل علاقتهم بي أصبحت مالية؛ إن وفرت لهم المال متى ما يشاءون فأنا الأفضل، وأن لم أوفر المال فأنا بنظرهم عاق، ولن أوفق في حياتي.

ولا يتصلون بي للاطمئنان علي وعلى أبنائي، ومعرفة حالتي في بيوت الناس، فقط كل اتصالاتهم لطلب المال.

الآن علي ديون للبنك أقساط أرض مسكن لأولادي، وديون أخرى لزملاء بملايين الريالات، ويطالب والدي ووالدتي بتوفير مبلغ لفعالية عرس أختي التي مهرها كبير يغطي جميع نفقات العرس، وذلك المبلغ كإضافي لما سلمته بالأمس من المعلوم الشهري رغم كثرة الديون المتراكمة علي والتي لا يصدقونها بتاتًا.

علمًا بأن ابني الأكبر بدأ يطالبني بتزويجه، والالتزامات كثرت، إيجار منزل، ووقود، وصيانة سيارة، ومصاريف يومية وشهرية لبيتي المفتوح لأفراد عائلتي، ومدارس وجامعة.

أفيدوني أثابكم الله، وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهدي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – أخي العزيز – في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نشكر لك حرصك على بر الوالدين والإحسان إليهما، ونحن على ثقة تامّة من أن هذا السلوك سيفتح لك أبواب الخيرات، ويُقدّر الله تعالى لك بسببه السعادة، وسيُخلف الله سبحانه وتعالى عليك كلّ ما تبذله لوالديك، فقد وعد الله تعالى بالخلف لكل نفقةٍ يُنفقها الإنسان على أقاربه، بل كل ما يُنفقه من الخير في أوجه الخير، فقد قال سبحانه وتعالى: {وما تُنفقوا من خيرٍ يُوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون}، وقال: {وما تُنفقوا من خيرٍ فإن الله به عليم}، وقال: {وما أنفقتم من شيءٍ فإن الله يُخلفه وهو خير الرزاقين}، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وغيرُ خافٍ عليك الحديث المشهور في أن الملَك يدعو كل يومٍ: (اللهم اعط منفقًا خلفًا، واعط ممسكًا تلفًا).

فهذه أوَّل الأمور التي ينبغي أن تكون حاضرة لديك، أن ما تبذله لوالديك فإن الله سبحانه وتعالى قد وعدك بالخلَف والعوض، ولكن مع هذا فإن الواجب عليك هو نفقة الوالدين ممَّا يحتاجانه من الطعام والشراب والمسكن والدواء، ونحو ذلك ممَّا يجري به العُرف وتقتضيه العادة في مجتمعكم، فهذا القدر واجب على الأبناء جميعًا، أي على القادرين منهم، والواجب اقتسامُه فيما بينهم، ولكن المبادرة إلى الخيرات والمسابقة إلى فعل الطاعات هي شيمة المؤمن وعادتُه وخُلقه، فإذا سابقت وبادرت إلى قضاء حاجة والديك والبر بهما - وإنْ تأخَّر الآخرون - فهذا عمل صالح وُفّقت له ينبغي أن تشكر الله تعالى عليه، وإن كان زائدًا على القدر الواجب عليك.

وأمَّا النفقة على الأخوات أو الإخوان لا سيما في هذه الحالة التي ذكرتَ من تجهيز الأخت للزواج، وقد أُعطيتْ مهرًا كبيرًا، فهذا غير واجب عليك، ولكن نصيحتُنا لك أن تحاول استرضاء والديك بقدر استطاعتك، وأن تُبالغ في التذلُّل لهما، وحُسن الاعتذار إليهما، وأن تعِدْهُما وعودًا تكون صادقًا فيها أنه إذا تيسّرت الأمور وبسط لك الرزق فإنّك ستُعطيهم خيرًا ممَّا يطلبون ويتمنّون.

فهذا النوع من الكلام يُطيّب قلوبهما، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وهو يتكلّم عن نفقة الأقارب: {وإمَّا تُعرضنَّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربّك ترجوها فقل لهم قولاً ميسورًا}، بمعنى أنه إذا لم تستطع الإنفاق على الأقارب لضيق رزقك، فلا ينبغي أن تُقصّر في الكلام الطيب والوعود الحسنة، وأنه متى ما تيسّرت الأمور ستقوم -إن شاء الله- بما يطلبون وزيادة، وقد قال الشاعر العربي، وهو يصف حال الإنسان الذي لا يستطيع الإنفاق، أنه يستطيع أن يبذل الكلام الطيب، فقال:

لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ ... فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ

فالكلام الطيب يكون في كثير من الأحيان أغلى وأشد وقْعًا في القلوب من المال.

نحن نؤكد – أيها الحبيب – أنه لا بد أن تحرص على قضاء حاجة والديك بقدر استطاعتك، ولا يُكلِّف الله نفسًا إلَّا وسعها، ويصحب ذلك الكلمة الطيبة والاعتذار الحسن، وسيجعل الله سبحانه وتعالى لك فرجًا ومخرجًا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُقدّر لك الخير، ويكفيك بالحلال عن الحرام.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً