الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وقعت في حب امرأة متزوجة، فكيف الخلاص؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا بعمر ٢١ سنة، وقعت في حب امرأة متزوجة، وهي بعمر ٣٧، واستمرت علاقتنا ٤ سنوات ونصف، وهي من أوقعتني بذلك، باهتمامها وسؤالها عني، ورفضت عدة مرات، إلى أن علقتني بها.

أصبحت أحبها إلى حد الجنون، ولا أستطيع أن أحب فتاة غيرها، فأصبحت أراسلها ليلاً ونهاراً، وأخاف عليها من كل شيء، وهي كذلك تبادلني نفس الشعور، ونعلم أننا على خطأ، وكل مرة نحاول فيها الانفصال لا نستطيع.

أنا تركتها ٣ أشهر، وعادت لي من عدة حسابات، وقالت لي: إذا تركتني سأعمل شيئاً بنفسي، ثم عدت لها واستمريت معها، لكنني عندما تعلقت بها إلى درجة لا تطاق أصبحت كل حياتي، وأهملت جامعتي ودراستي، وأصبحت أكره كل النساء في عمري، وأصبحت هي همي الوحيد، ولا أستطيع خروجها من رأسي.

أصبحت مهووساً بها، بحيث أراقبها في كل دقيقة وفي كل ثانية، وأقوم بمشاهدة الوقت، بحيث إذا كانت متصلة بساعة معينة ولم ترد على رسالتي تصيبني حالة هستيريا، وتحطيم نفسي، وأصبحت أشعر كأنها هي الوحيدة في هذا الكون وسعادتي معها.

أنا الآن تركتها، وعدت للتوبة إلى الله، وتركتها منذ ٧ أشهر، لكني مررت بظروف نفسية، ولا أستطيع نسيانها، وفي كل مرة أتذكر أي شيء منها ويصيبني خوف وقلق وفزع وتوتر، وحتى أثناء تركها أخلق حوارات في مخيلتي وأتكلم معها في عقلي حتى أكاد أجن.

تراودني أفكار أنها تكرهني، وأتذكر محادثاتنا ويراودني شعور كره وحقد بدون سبب، وأني أراقبها بدون علمها، وهي أيضاً متعذبة، ولكني لا أستطيع الابتعاد، ولا أستطيع الاقتراب! ما هو الحل لمشكلتي ونسيانها تماماً، وعدم تذكرها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عباس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا- في الموقع، ونشكر لك الصراحة والوضوح في عرض هذا الإشكال، ونسأل الله أن يُخرجك من الحرام إلى الحلال، وأن يهديك لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، وأن يُلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

لا شك أن إيقاف هذه العلاقة فورًا، والصبر على ما يأتي بعدها من معاناة هو المطلب الشرعي، وهو الصواب، وإن صعبتْ الأمور وتعقّدت النفسيات؛ فإن هذا لا يُساوي شيئًا أمام جريمة الاستمرار على المعصية، وينبغي الحذر ثم الحذر من المخالفة، {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنة أو يُصيبهم عذاب أليم}.

احمد الله الذي أعانك على التوبة والتوقف، واحمد الله الذي سترك ولم يفضحك، واعلم أن حياتك ومستقبلك لن يكون سعيدًا إلَّا إذا توقّفت عن هذه العلاقة، وأخرجتَ هذه المرأة من عقلك وفكرك، وممَّا يُعينك على ذلك ما يلي:

- كثرة الدعاء واللجوء إلى الله.
- الالتزام بالصلاة لأنها نور، ولأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
- المواظبة على ذكر الله ومواظبته، فالله يقول: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}.

- الحرص على البحث عن الحلال والتفكير في الاتجاه الصحيح، لأن هذه العلاقة ليس لها مستقبل، فهي امرأة متزوجة ولها أسرتها، وأنت تجري وراء السراب، وأيضًا لا تُناسبك، فارق العمر كبير، أنت تكاد تكون واحدًا من أبنائها.

- أرجو أن تنتبه لنفسك، وتُعجّل بالتوبة والرجوع إلى الله.
- اعلم أن الشيطان لن يتركك، لذلك يُذكِّرُك بالمعصية، ويُذكّرُك بالمواقف القديمة، ولكن إذا ذكّرك الشيطان بالمعصية فتذكّر الله، وتعوّذ بالله من الشيطان، واعلم أن الشيطان يندم إذا تُبنا، يتأسّف إذا استغفرنا، يبكي إذا سجدنا لربنا، فعامل هذا العدو بنقيض قصده.

- اعلم أن من ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا.
- توبتك هذه لكي تثبت فيها عليك بالصدق فيها مع الله، والإخلاص فيها مع الله، والندم على ما حصل، والعزم على عدم العود، والإكثار من الحسنات الماحية، فالحسنات يُذهبن السيئات.
- ومن الأمور المهمّة جدًّا التخلُّص من كل ما يربطك بها، تُغيّر إيميلك، تُغيّر رقم الهاتف، تُغيّر كل شيء عندك، وتجنّب متابعتها، ولا تحاول الالتفات إليها، فإن هذا من الشيطان، يريدك أن تعود مرة أخرى.

انتبه لنفسك، واندم على ما مضى من التفريط، واعلم أنك ستخرج من هذا العذاب ومن هذا الألم النفسي والضيق ومن هذه الذنوب المتراكمة بتوبتك النصوح لله تبارك وتعالى، فالتوبة تجُبُّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

إذا حاولت أن تتمادى وتستمر فإن المستقبل مظلمٌ، وعاقبة الاستمرار والتمادي في المعصية كبير، وربُّنا الكريم يستر على الإنسان ويستر عليه، لكن إذا تمادى في المعصية ولبس لها لبوسها فضحه، وهتكه، وخذله، وقد يُحال بينه وبين التوبة، وبالتالي قد يختم له بخاتمة السوء، ونسأل الله لنا ولك أن يتوب علينا لنتوب، وأن يختم لنا ولك بحسن الخاتمة.

انتبه لنفسك، واخرج من غفلتك، واثبت على هذه التوبة، وسبعة أشهر تُعتبر مدة جيدة، وهذه النفسيات ستتغيّر، خاصة إذا واظبت على الصلاة والذكر واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، فإن قلبك وقلوب الخلق بين أصابع الرحمن يُقلِّبُها ويُصرِّفُها.

توجّه إلى الحي القيوم، مُصَرِّف القلوب، واسأله أن يُصرِّف قلبك إلى طاعته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً