الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في الموت هربًا من ظروفي، فما السبيل لنيله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب كرهت الدنيا وكرهت حياتي، عملت قبل دخولي إلى الجامعة، وكنت أعمل في أكثر من شيء، وكانت الدنيا ميسورة، وبعد التحاقي في الجامعة فتحت مشاريع كثيرة، وفي سنة 2014 أحببت فتاة وكانت أكبر نعم الله، وفي 2016 في شهر 10 قبل خطبتها توفيت الفتاة، واسودت الدنيا في نظري.

تخرجت من الجامعة وأصبت بمرض في العين، صرفت كل ما أملك للعلاج، وبعدها أصبت بمرض السرطان، حمدت الله وقلت لعله خير، بعت كل ما أملك من أجل العلاج، -الحمد لله- تعافيت، لكنني الآن لا أملك شيئًا، واختفى الناس من حياتي، حتى نظرات أهلي تؤلمني، فأنا لا أجد عملًا، منذ ست سنوات أعيش في ألم غير محتمل، أخرج من مرض إلى هم، أتمنى الموت وأنتظره فلا سبيل غيره، ماذا أفعل ليعجل الله موتي؟

وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أسامة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب..

أولاً: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يخلف عليك كل ما فقدت، وأن يعوضك خيراً منه، ونحن وإن كنا ندرك مدى المعاناة التي تعيشها، ولكننا في الوقت نفسه -أيها الحبيب- ندرك تمام الإدراك أن كل ما نزل بك، وما قدره الله تعالى عليك فيه خير كثير لك، وإن كنت تكره ما نزل بك بمقتضى طبيعتك البشرية، ولكن الله تعالى أرحم بك من نفسك، وأعلم بمصالحك، فلا يقدر عليك إلا ما فيه خير لك، وإن قصر نظرك عن إدراك هذا الخير، فقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

وهذا الخير الذي يؤمل ويرجى من وراء هذه المصائب والأقدار المؤلمة، منه ما هو كفارة لذنوب الإنسان وسيئاته، حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة، ومنه ما هو رفعة لدرجاته، فإنه قد يكون الله تعالى يريد له الوصول إلى درجة في الجنة لا يصلها بعمله، فقدر عليه المكروهات، فيصبر ويحتسب فيبلغ تلك المنزلة.

ومن فوائد المصائب -أيها الحبيب- أنها تقلل تعلق الإنسان بهذه الدنيا الفانية، وتسهل عليه الخروج منها، فلا تجده محباً لهذه الدنيا متعلقًا بها، إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة والمنح الجليلة التي تكون من وراء المصيبة.

فنصيحتنا لك أن تتفكر في هذه الفوائد والثمار حتى تخف عليك المصيبة، وتدرك أن ما نزل بك وإن كان مكروهاً مؤلماً فإن الله تعالى إنما قدره لخير كثير يريده لك.

وأما ما ذكرت من تمني الموت -أيها الحبيب- فأعلم أولاً أن الموت لا يتقدم ولا يتأخر بمجرد الأماني، فإنه قد قدر وكتب، وقال الله تعالى: (فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، وبخصوص تمني الموت بسبب المصائب التي تنزل بالإنسان قد ورد النهي الصريح من النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، قال -عليه الصلاة والسلام-، والحديث في صحيح البخاري ومسلم: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)).

في هذا الحديث ينهى -صلى الله عليه وسلم- المؤمن عن تمني الموت بسبب الأضرار والمصائب الدنيوية، وفي حديث آخر يبين -عليه الصلاة والسلام- سبب هذا النهي، بأن عمره لا يزيده إلا خيراً، لأنه إما أن يكون مذنباً فيتوب ويستغفر، فتكون توبته خيراً له من الموت قبل التوبة، وإما أن يكون محسناً صالحاً فيزيد في إحسانه ولو لم يكن من هذا الإحسان إلا الإيمان، والإيمان أعظم الأعمال التي يرجو الإنسان من ورائه الثواب الجزيل والخير الكثير، واستمرار الحياة مع الإيمان خيراً من انقطاعها.

فنصيحتنا لك -أيها الحبيب- أن تصبر وتحتسب وتدرك تمام الإدراك أن قيمة هذه الحياة مهما كانت مرة، ومهما كانت الأقدار فيها مؤلمة، فإن هذه الحياة هي ميدان للاختبار والامتحان، والنتيجة والثمرة تبدو بعد انتهاء هذه الحياة، وحينها يتمنى كثير ممن لم تصبهم مصيبة يتمنى أنه أصيب لما يرى من الخير الكثير الذي يناله الصابر المحتسب، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويمن عليك بالعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً