الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من الخوف والقلق والارتجاع المريئي، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم

قبل ثلاث سنوات أصبت بارتجاع المرييء، وكانت الأعراض قاسية، لا أستطيع الأكل، وأشعر بالغثيان يوميا، والتقيؤ أحيانا، وكنت أكره التقيؤ جدا.

أخذت العلاج دون جدوى، قال لي الطبيب أن هذا من القلق والتوتر، بعد أن سمعت هذا الخبر زاد عندي القلق جدا، وزادت الأعراض، وفقدت الشهية، وزادت ضربات القلب والتوتر، وانعزلت عن كل الأماكن التي بها أكل كالمطاعم والمناسبات خوفا من التقيؤ، بسبب الشعور المستمر بالغثيان والتقيؤ، وبسبب خوفي من القلق الذي لا أستطيع التحكم فيه.

بدأت أعراض القلق في الزيادة، ولا أستطيع النوم، وأستيقظ بقلق شديد جدا وغثيان، وفقدان شهية طول اليوم، إلى أن ذهبت لطبيب نفسي، وشخصت باضطراب القلق العام، وأخذت دواء باروكستين، وعادت الشهية، وقلت أعراض القلق جدا، وواظبت عليه لمدة سنة.

ولكن المشكلة الكبيرة التي لم تحل هي أنني أخاف جدا من الأكل أمام الناس، وأخاف من مواقف كثيرة كالتقدم لخطبة فتاة، ولعب كرة القدم، والذهاب لأقاربي، وبعض المواقف الأخرى، أخاف أن أتوتر وأرتبك أمام الناس فأتقيأ؛ لأنه بالفعل حدث عدة مرات، فأصبحت أتجنب مواقف كثيرة خوفا من القلق ذاته، خوفا من أن تأتيني هذه الأفكار لأنها تهجم علي بشدة وأنا في هذه المواقف، فلا أستطيع التحكم، وأبدأ بالتقيؤ.

نصحني الطبيب بالتعرض الدائم لهذه المواقف، لقد يئست من نفسي، في كل مواقف التعرض أشعر بالقلق الشديد، وأصبحت فاشلا جدا، وفقدت الثقة في ذاتي، وفي أفكاري، وأنا على سن الزواج، وأخاف من الخطوبة والمسؤولية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ omar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أخي: المخاوف -خاصة المخاوف الاجتماعية- هي أو هو سلوك سلبي مكتسب ومتعلّم، ليست أبدًا أمرًا وراثيًّا أو فطريًّا أو غريزيًّا، وأنا أؤكد لك أن هذا النوع من المخاوف ليس دليلاً على ضعف الشخصية وليس دليلاً على قلة الإيمان، أو اضطراب معرفي.

فيا أخي: هو شعور مكتسب، ربما تكون تعرَّضت إلى موقف فيه شيء من التخويف في مرحلة الصغر، ومن ثمّ حصل تخزين نفسيّ لهذه المواقف السلبية، وظهرت لديك الآن في شكل أعراض من النوع الذي وصفت. ويا أخي: منطق الأشياء يقول: إن الشيء المكتسب يمكن أن يُفقد من خلال التعليم المضاد، لذا نصحك الطبيب بالتعرُّض الدائم، ويجب بالفعل أن تلجأ للتعرُّض الدائم مع منع الاستجابة السلبية، أي: لا تهرب من الموقف.

وحقيقة أخي: أنا أريدك أن تبدأ بما نسميه بالتعرُّضِ في الخيال، تجلس في الغرفة، في جلسة نفسية هادئة جدًّا، وتبدأ بعد ذلك وتتصور أنك تأكل في المطعم أمام الآخرين، ما الذي سيحدث؟! وتخاطب نفسك وذاتك: (لماذا لا أكون مثل الآخرين، كل الناس تأكل في المطاعم، وأصبحت عادة أمر معروف بين الناس، كثير من الناس يأكل في الشوارع وتأكل في كل الأمكنة)، هذا نسميه بالتعرُّض في الخيال، وهو مهمٌّ جدًّا، ويا حبذا لو حددت مطعمًا مُعيَّنًا مثلاً، ثم تنتقل بالفكرة إلى مطعم آخر، وهكذا، هذا نوع من التعرُّض ممتاز جدًّا.

وبعد ذلك -يا أخي- ابدأ بالمطاعم الصغيرة، أو تأكل أمام مجموعة صغيرة من الأصدقاء، مألوفين ومعروفين لديك، هذا أيضًا نوع من التعرُّض التدريجي، وهكذا.

ويجب أن تُحقّر فكرة الخوف هذه، هي بالفعل سخيفة، وسخيفة جدًّا، (ما الذي يجعلني أخاف وأنا أودُّ أن أتقدّم لخطبة فتاة، وهذا أمرٌ جميل، وهذا أمرٌ طيب، ويقوم به ملايين الناس؟).

إذًا ما نسميه بالإعمال الفكر هو المهم في هذا النوع من المخاوف، تُعمل فكرك ليُواجه، ولتُحقّر، ولتخضع الأمور للمنطق وللواقعية.

يوجد - أخي الكريم - علاج مهم جدًّ وضروري جدًّا، هو: الحرص على الواجبات الاجتماعية، الحرص على الواجبات الاجتماعية يُطور جدًّا من مهاراتك، ويجعل الخوف -أيًّا كان- يتلاشى تمامًا، أقصد بالواجبات الاجتماعية أن تُلبّي الدعوات -دعوات الأعراس، دعوات الأفراح وغيرها- وتكون حريصًا جدًّا، وتكون متفائلاً حين تذهب إلى هذه المناسبات، وأيضًا تقديم واجبات العزاء، زيارة المرضى، المشي في الجنائز، التواصل مع الجيران، صلة الأرحام، التفاعل الأسري الإيجابي، هذه كلها علاجات ممتازة.

وقطعًا -ودون أي شك- الصلاة في المسجد مع الجماعة، حتى ولو بدأت بالصفوف الخلفية، ثم تقدّمت في الصفوف تدريجيًا إلى أن تكون خلف الإمام في بعض الصلوات، هذا علاج، علاج مجرَّبٌ جدًّا ومفيدًا جدًّا.

أخي: الأنشطة الرياضية الجماعية، أي نوع من الرياضة مع بعض الأصدقاء، وحتى لو قمت بالانضمان إلى أحد الأندية مثلاً، أو صالات الرياضة، هذا مهم ومفيد، العمل الثقافي والتطوعي الجماعي، أيضًا وجدناه مفيدًا جدًّا.

فإذًا أنت لتقهر هذا النوع من الخوف تحتاج أن تطور نفسك اجتماعيًّا، ما ذكرتُه لك أعتقد أنه سوف يفيدك جدًّا.

أمَّا بالنسبة للدواء: الـ (باروكستين) دواء ممتاز جدًّا، فأرجو أن تستمر عليه، والجرعة العلاجية تؤدي مفعولها التام إذا انتظم الإنسان على الدواء، فأرجو أن تنتظم عليه، وهذا سوف يفيدك كثيرًا ولا شك في ذلك.

أنت لم تذكر الجرعة التي وصفها لك الطبيب، أو التي أخذتها أو تأخذها الآن، لكن دائمًا جرعة البداية هي عشرة مليجرام من الباروكستين العادي، والتي تحتوي الحبة على عشرين مليجرامًا، يتناول الإنسان نصفها، ثم بعد عشرة أيام مثلاً يجعلها حبة كاملة (عشرين مليجرامًا) ثم يدعهما بجرعة أربعين مليجرامًا يوميًا، وهذه هي الجرعة العلاجية الصحيحة لمثل حالتك، ويمكن الاستمرار على أربعين مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر مثلاً، ثم تجعلها حبة واحدة -أي عشرين مليجرامًا- يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخر، ثم تجعلها نصف حبة -أي عشرة مليجرام- يوميًا لمدة شهرٍ، ثم عشرة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

ولابد من التوقف التدريجي من الباروكستين، هذا مهمّ جدًّا أخي، وذلك حتى ندرأ ونمنع أي آثار انسحابية سلبية.

وحتى يُؤدي الدواء فعالية بصورة ممتازة يمكنك أن تدعمه بجرعة صغيرة من عقار آخر يُسمَّى (رزبريادون) هذا دواء جيد جدًّا، ويُدعم من فعالية الباروكستين، وجرعة الرزبريادون المطلوبة في حالتك هي واحد مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وأرجو أن تتبع الإرشادات العلاجية التي وصفناها لك، وتتناول الدواء كما هو موصوف، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً