الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الإدمان (مخدرات، كحول، ألعاب الحاسوب) يندرج تحت القضاء والقدر؟

السؤال

السلام عليكم

أعلم أن خيار التوقف عن الإدمان (بكل أنواعه) هو في النهاية بيد الإنسان، ولكن هل إصابة الشخص بالإدمان في مرحة معينة من حياته هو قدر أراده الله -سبحانه وتعالى- أن يصاب به كي يمتحنه، أو يبتليه ليصنع منه شخصا أفضل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك معنا، وقد أصبحت حين قلت بأن التوقف عن الإدمان قرارٍ ينبغي للإنسان أن يُشارك في اتخاذه، وأن يسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُعينه عليه، فيعتمد على الله ويُحسن ظنّه بالله أنه سيتولى هدايته وعونه، ويأخذ هو بالسبب ويُباشر هذا العمل، وعلى هذا الأساس تقوم العبادة، كما علّمنا الله تعالى في كتابه الكريم في فاتحة الكتاب بقوله -سبحانه وتعالى-: {إياك نعبد وإياك نستعين}.

فالإنسان لا يستطيع أن يفعل وحده دون أن يأذن الله -سبحانه وتعالى-، ولكنّه لا يُعذر في أن يختار الطريق الذي يريد أن يسلكه، ثم الله تعالى يزيده ويُمكّنه من هذا الطريق الذي اختاره، كما قال الله في سورة مريم: {قل مَن كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدًّا}، وقال في الفريق الآخر: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً}، وقال في موضع آخر من سورة محمد: {والذين اهتدوا زادهم هُدىً وآتاهم تقواهم}.

وما يُصيب الإنسان من الوقوع في المعاصي والمحرمات هو أيضًا من قدر الله -سبحانه وتعالى-، ولكن لا يجوز للإنسان أن يحتجّ بهذا القدر ويبقى على هذه المعصية، وقد ضرب الله لنا مثلين مختلفين أحدهما قُدوة في الخير والآخر قدوة في الشر، أمَّا القدوة في الخير فهو أبونا آدم -عليه الصلاة والسلام- وقع في المعصية ثم لم يحتج بأن الله تعالى هو الذي أوقعه فيها، بل بادر بالتوبة وإعلان الظلم لنفسه والاستغفار، وقال: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين}، فكانت العاقبة أن هداه الله -سبحانه وتعالى- وقبل توبته، وعلَّمه كيف يتوب، كما قال الله -عز وجل-: {ثم اجتباه ربُّه فتاب عليه وهدى}.

والقدوة الأخرى في الشر إبليس -عليه لعنة الله- فإنه لمَّا عصى الله تعالى رجع يُعاتب القدر وينسب الفعل إلى الله -سبحانه وتعالى-، فقال كما قال الله تعالى عنه في الكتاب العزيز: {رب بما أغويتني لأزيّننَّ لهم في الأرض} فنسب الإغواء إلى الله سبحانه وتعالى، ولم يعترف بأنه ظالم وأنه مُذنب وأنه عاصٍ، وهذا هو الفرق بين النموذجين، فوقوع الإنسان في المعصية نعم هو قدر قدّره الله تعالى عليه، ولكن ليختبره وليبتليه وليستخرج منه عبادات أخرى مثل الذلِّ والانكسار بين يدي الله -سبحانه وتعالى-، ما كانت لتخرج لولا أن الله تعالى قدّر عليه هذا المكروه.

نسأل الله تعالى التوفيق للجميع.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً