الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من واقعي وأرجع للهداية كما كنت؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب، عمري 29 سنة، رأيت في حياتي ما رأيت من مشاكل، وضغوطات، ووقف حال، أنا حتى الآن لم أتخرج من الجامعة، ولم أحصل على شقة للزواج، ولم أدخر لنفسي المال.

فأنا كثير الهم، والغم، والنكد، والإحباط واليأس، أصبت بالأذى بسبب الأعمال والذي آذاني من ذهبت إليه ليعالجني بالقرآن، عصبيتي زادت جدا، لدرجة أنني من الممكن أن آذي نفسي، فمنذ 4 شهور غضبت وقمت بإيذاء نفسي، فأنا أضرب بيدي في الزجاج عدة مرات حتى قمت بتقطيع 5 أوتار وعصب في يدي اليمنى، أسب الدين كثيرا، أفعل العادة كثيرا حوالي ثلاث أو أربع مرات في اليوم.

دائما أشعر بأنني فاشل، وأنني لن أعود لشخصيتي الطيبة الجميلة التي كانت تحفظ القرآن في الصغر حتى سن ال 18 عاما، والاعتكاف، والصلاة والالتحاء والخ، فأنا والله كنت شابا مثل أي شاب ألتزم بصلواتي، وذكري، وقرآني، حاولت الكثير الابتعاد عن كل هذا، وعن التدخين، وعن شرب المخدرات، وعن الطريق السوء، والله ألهمني الثواب والتوبة أكثر من مرة، ولكني أعود وأنتكس حتى ظننت أن الله لا يريد أن يقبلني.

أنا غير راض عن حالي، ومتعب ومجهد كثيرا، وحاولت مرارا وتكرارا ولكني في كل محاولة أنتكس، في أول الأيام من المحاولة لا أريد الجلوس مع أسرتي ولا التوغل فى حياتهم، وأنطو عنهم تماما، مع العلم أنني أحبهم كثيرا، ولكني مبتعدا عنهم، وكل هذا بغير إرادتي، أحاول وأسعى ولكن الإحباط والفشل دائما.

لدي كلام كثير ولكني مقيد بالرسالة، مع العلم أنا أعرف كثيرا من كلام الله، ومن مقومات المعاصي والالتزام وأعمل بها ولكن دون جدوى، أنا متعب جدا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك يا محمود في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أخي الحبيب: دعنا ابتداء نزيل من رأسك شبهتين:

الأولى: أن الله لا يريد أن يقبلك.
الثانية: الشعور بالفشل واستحالة عودتك إلى ما كنت عليه من صلاح.

هاتان الشبهتان هما أساس البلاء يا محمود، وقد تعمد الشيطان إيداعهما عقلك وتكفلا هما بقطع الرجاء منك بربك عز وجل، وإلا فمن قال لك: إن الله لا يقبلك، وكيف طابت نفسك بهذه الكلمة، وأنت تعلم أن الله أكرمك بالإسلام، وأكرمك بالصلاح، وأكرمك بأمور كثيرة لو فتشت عنها وجدتها.

أما الابتلاء الذي تتحدث عنه والذي أوصلك إلى هذا القول فإنه العجب بعينه يا محمود، إذ من قال لك إن طريق الصالحين لا يمر بأرض البلاء؟!

أخي محمود : قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن البلاء دليل عافية فقال: ( من يرد الله به خيراً يُصب منه ) رواه البخاري، وصاحب الابتلاء مأجور مشكور مع الصبر، قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [ البقرة : 155 ].وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ) .

فكل ابتلاء من ورائه الأجر يا أخي، والأجر :إما رفعة للعبد بين يدي الله، أو دفع لمصاب أشد، أو يكفر الله به من الذنوب ما شاء.

وقد قال صلى الله عليه وسلم : " مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"

والابتلاء دليل محبة واضح، ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال:الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه "

وفي لفظ آخر، قال : الأنبياء ، قال : ثم من؟
قال العلماء قال : ثم من ؟
قال : الصالحون"
وعليه فادفع عنك هذا الوهم لأنه غير صادق، وكرر في نفسك: الله يحبني لذا رزقني الإسلام، الله يحبني لذا حببني في الطاعة وإن لم أصل بعد، الله يحبني لذا ابتلاني، وتذكر كل نعيم أنعم الله به عليك لتدرك عظم ما أنت عليه.

وإذا تذكرت بعض الابتلاءات، فتذكر كذلك أن كل مصيبة وقعت؛ رفعت مصائب أكبر ، وقد قالوا قديما : "بعض الشر أهون من بعض" ومن نظر بعينه إلي مصائب الناس هان عليه ما هو فيه.

وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال : "ما من مصيبة تصيبنى إلا رأيت خلالها ثلاث فوائد قد أنعم الله بها علي:
الأولى : أنها لم تكن فى دينى فربما فقد بها الإنسان دينه ودنياه.
الثانية : أنها لم تكن أكبر من ذلك فهذا دافع.
الثالثة : أن الله يكتب لي الأجر عليها .

أما الشبهة الثانية: وهي أنك لن تعود إلى الصلاح مرة أخرى، وهذا كلام عجيب، لأنه حكم بالغيب من جهة، ثم هو مخالف لتربيتك وصلاحك واجتهادك المرة تلو المرة في العودة.

أخي: أقوى دليل على الخير الذي أنت فيه رغم كل شيء أن الله حبب في قلبك الصلاح، وهذا أعظم حافز تستعين به على الخير الذي تريد أن تصل إليه، وستصل لك تحتاد فقط إلى خطة عملية تنطلق من الواقع بلا تهوين ولا تهويل، ولا تستصحب تلك الشبه المثبطة والمقعدة، ونحن نوصيك أخي بما يلي:

1- التوبة والاحتماء بالله والتأكيد على أن الطريق الوحيد للاطمئنان والسعادة هو الاحتماء به.
2- حصر كل الذنوب التي تقوم بها ومعرفة أسباب الوقوع فيها ومن ثم معالجة الأسباب فمثلا: مشاهدة الأفلام هذا ذنب، لكن ما هو السبب ؟
قد يكون:
وجود فراغ، أو غياب أهداف، أوجلوس في البيت وحدك بلا عمل، أو غير ذلك.

ابدأ بمعالجة الأسباب ومن ثم يزول أو يكاد الذنب.
3- انظر في قائمة أصحابك فاستبعد منها ما يلي:
- من لا يعينك على طاعة الله.
- من يصرفك عن الطاعة.
- من يضيع وقتك بلا فائدة.
- من يغضبك عند النقاش أو يعصبك.

4- تعرف على أصحاب صالحين، مجدين، لهم أهداف ثابتة، وهم وإن كانوا قلة إلا أن الخير فيهم.

5- اجتهد في معرفة أسباب الغضب وأبدأ التعامل معه وفق هذه الخطوات التي أجاد فيها الغزالي رحمه الله حين قال:

وَإِنَّمَا يُعَالَجُ الْغَضَبُ عِنْدَ هَيَجَانِهِ بِمَعْجُونِ الْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ:

أما العلم، فهو ستة أمور:

الأول: أن يتفكر في الأخبار التي سنوردها فِي فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَالْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ، فيرغب في ثوابه، فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي والانتقام، وينطفئ عنه غيظه، قال مالك بن أوس بن الحدثان: غضب عمر على رجل، وأمر بضربه، فقلت: يا أمير المؤمنين، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فكان عمر يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فكان يتأمل في الآية، وكان وقافًا عند كتاب الله مهما تلي عليه، كثير التدبر فيه، فتدبر فيه، وخلى الرجل، وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل، ثم قرأ قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ}، فقال لغلامه: خلِّ عنه.

الثاني: أن يخوف نفسه بعقاب الله، وهو أن يقول: قدرة الله عليَّ أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت غضبي عليه، لم آمن أن يمضي الله غضبه عليّ يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو، فقد قال تعالى في بعض الكتب القديمة: يا ابن آدم، اذكرني حين تغضب، أذكرك حين أغضب، فلا أمحقك فيمن أمحق. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيفًا إلى حاجة، فأبطأ عليه، فلما جاء قال: لولا القصاص لأوجعتك...

الثَّالِثُ: أَنْ يُحَذِّرَ نَفْسَهُ عَاقِبَةَ الْعَدَاوَةِ وَالِانْتِقَامِ، وَتَشَمُّرَ الْعَدُوِّ لِمُقَابَلَتِهِ، وَالسَّعْيِ فِي هَدْمِ أَغْرَاضِهِ، وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِهِ، وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ الْمَصَائِبِ، فَيُخَوِّفُ نَفْسَهُ بعواقب الغضب في الدنيا، إن كان لا يخاف من الآخرة.

الرَّابِعُ: أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ صُورَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ: بِأَنْ يَتَذَكَّرَ صُورَةَ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَيَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ الْغَضَبِ فِي نَفْسِهِ، وَمُشَابَهَةِ صَاحِبِهِ لِلْكَلْبِ الضَّارِي، وَالسَّبُعِ الْعَادِي، وَمُشَابَهَةِ الْحَلِيمِ الْهَادِي التَّارِكِ لِلْغَضَبِ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ، وَالْحُكَمَاءِ، وَيُخَيِّرَ نَفْسَهُ بَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَأَرَاذِلِ النَّاسِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْعُلَمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ فِي عَادَتِهِمْ؛ لِتَمِيلَ نَفْسُهُ إِلَى حُبِّ الِاقْتِدَاءِ بِهَؤُلَاءِ، إِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مَعَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ.

الْخَامِسُ: أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى الِانْتِقَامِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ كظم الغيظ، ولا بد وأن يكون له سبب، مِثْلَ قَوْلِ الشَّيْطَانِ لَهُ: إِنَّ هَذَا يُحْمَلُ منك على العجز، وصغر النفس، والذلة والمهانة، وَتَصِيرُ حَقِيرًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، فَيَقُولُ لِنَفْسِهِ: مَا أَعْجَبَكِ! تَأْنَفِينَ مِنَ الِاحْتِمَالِ الْآنَ، وَلَا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح، إذا أخذ هذا بيدك، وانتقم منك، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، وَلَا تَحْذَرِينَ مِنْ أَنْ تَصْغُرِي عِنْدَ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّبِيِّينَ، فَمَهْمَا كَظَمَ الْغَيْظَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْظِمَهُ لِلَّهِ، وَذَلِكَ يُعَظِّمُهُ عِنْدَ الله.

السادس: أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد الله، لا على وفق مراده، فكيف يقول: مرادي أولى من مراد الله، ويوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَأَنْ تَقُولَ بِلِسَانِكَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ من الشيطان الرجيم، هكذا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقال عند الغيظ.. فيستحب أن تقول ذلك، فإن لم يزل بذلك، فاجلس إن كنت قائمًا، واضجع إن كنت جالسًا، واقرب من الأرض التي منها خلقت؛ لتعرف بذلك ذل نفسك، واطلب بالجلوس والاضجاع السكون... فإن لم يزل ذلك، فليتوضأ بالماء البارد، أو ليغتسل، فإن النار لا يطفئها إلى الماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم، فليتوضأ.. انتهى.

وأخيرا اخي : اجتهد في طرد الشبهات، وابدأ حياتك من جديد، وتعرف على الأصحاب الصالحين ، واستعن بالله تعالى، وستجد الخير الوفير بأمر الله.

يسر الله أمرك ، وشرح صدرك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً