الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما علاج صعوبة نطق وقراءة الفاتحة والقرآن بسبب الوساوس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أعاني من الوساوس في قراءة الفاتحة، فبسببها أقرأ الفاتحة بشكل غير صحيح، ولا أشعر بالشك في أن قراءتي خطأ أم لا، بل في الغالب أخطئ كثيرا، وأشعر أن لساني ثقيل أثناء قراءة الفاتحة، فأطيل في الصلاة لمدة ساعة، وفي الوضوء أطيل أيضا، وعندما لا أبالي لتلك الوساوس، وهذا في النادر أقرؤها بسهولة ويسر، لا أدري ماذا أفعل؟ عمري يضيع في هذه الأمور؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نيفين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنا لسعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن ييسر أمرك وأن يفرج كربتك إنه جواد كريم.

وبخصوص سؤالك فإنا نود الإجابة من خلال ما يلي:

أولا: ما يحدث معك هو أمر طبيعي، وغالباً لم ينج أحد منه، بل حدوثه معك أهون بكثير من غيرك، فالبعض تأتيه الوساوس في دينه وعقيدته، ويفرض عليه بعض الأسئلة التي يقلق منها صاحبها، ويظن أنه ربما قد كفر!، ونحن نقول له ولك ولكل من ابتلي بالوسواس: الأمر هين وشائع، بل قد وقع مع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنَا لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالشَّيْءِ يَعْظُمُ عَلَى أَحَدِنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: (أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ)، أي: هذا هو الإيمان الصَّريح الخالص؛ وعليه فما يحدث معك مصدره الشيطان، يريد أن يعكر علىك تدينك.

ثانيا: طبيعة الوسواس أنه لا يستطيع أن ينتشر أو يبسط سلطانه إلا في بيئة التفكير السلبي، ويعتمد على أمرين:
- إظهار ضعفك وخوفك.
- إضعاف ثقتك بنفسك.

فإذا أردت القضاء عليه فعليك أن تحولي كل أمر سلبي إلى إيجابي، فالوسواس سخيف، والإنسان العاقل لابد أن يربطه في فكره بالسخف، فرددي لنفسك دوما:
هذا وسواس، وكلام فارغ، وكلام سخيف، هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا، فحين يستخف الإنسان شيئًا فإنه يحتقره، وحين يحتقره يقلل من تأثيره عليه، فيحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يُصبح لا تأثير له، وليس جزءًا من حالة الإنسان.

هذه التمارين تحتاج للصبر والتكرار والجدية في تطبيقها، وأن يخصص الإنسان لها وقتًا معينًا، ولا بأس أن تقولي: (هذا وسواس) اكتبيها عدة مرات، عشراً، عشرين مرة، وبعد ذلك حاولي أن تحتقريه فكريًا وستصلين فعلاً إلى سخفه، وهكذا.

ثالثا: لابد أن نؤكد على دور الشيطان في الوسوسة، والذي يعد أحد أكبر المعاول، فعن ابن عباس رضي عنهما أن رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم " قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه- ‏يعرِّضُ بالشيء - لأن يكون حممة أحب من أن يتكلم به فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الحمد ‏لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " رواه أحمد وأبو داود.
وقد يكون لعوامل أُخَر دور في إصابة المرء ‏بالوسوسة كعامل نفسي أو تربوي أو شيء حدث أو موقف كان له أثر قوي في نفسه من أمر ‏ما، وفي مثل هذه الحالة يعرض الشخص المريض على طبيب نفسي مسلم.‏

وليتغلب العبد على الوسواس الذي يصيبه في عبادته و أفكاره عليه أن يصدق في الالتجاء إلى الله ‏تعالى ، ويلهج بالدعاء والذكر ليكشف عنه الضر ويدفع عنه البلاء، وليطمن قلبه.‏

قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) {النمل:62}، وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) {الرعد:28}.

ومما ‏يندفع به الوسواس الاستغفار، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم : "إِنَّ ‌لِلشَّيْطَانِ ‌لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ} الآيَةَ". ‏رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه.

وعن عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي ‏وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، ‏واتفل عن يسارك ثلاثاً. قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني رواه مسلم .‏

وغرض الشيطان من تلك الوسوسة - كما بينها حديث عثمان - أن يلبس على العبد صلاته ‏ويفسدها عليه، وأن يحول بينه وبين ربه، فيندفع هذا الكيد بالاستغفار والاستعاذة.‏

قال ابن القيم في زاد المعاد: ولما كان الشيطان على نوعين: نوع يرى عياناً وهو شيطان الإنس، ونوع لا يرى ‏وهو شيطان الجن، أمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي من شر شيطان الإنس ‏بالإعراض عنه والعفو والدفع بالتي هي أحسن، ومن شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه، انتهى.

وقال تعالى: (‎وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) ( الأعراف : 200) قال ابن ‏كثير في تفسيره : فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه ‏عليك، فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده، اهـ.

رابعا: إننا ننصحك بما يلي:
1- اعرضي قراءتك على أحد المختصين في القرآن، فإن أجاز قراءتك فلا عبرة بعد ذلك للوساوس، ولا تفكري حتى في كلامه.

2-لا تلتفتي عند القراءة إليه، ولا تعودي إلى ما انتهيت من قراءته، فإن تلك الوساوس لا محل لها ولا عبرة بها ، فإن أتاك الشيطان بعد الصلاة وأخبرك أن الفاتحة ناقصة أو غير صحيحة، فلا عبرة ساعتها لحديثه، ولا تنشغلي به ولا تفكري حتى في كلامه.

نسأل الله أن يوفقك وأن يسعدك وأن يذهب عنك ما ألم بك.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً