الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرهقتني الوساوس ونسج السيناريوهات والتفكير الكارثي

السؤال

السلام عليكم

أنا لا أدري ما نوع المرض النفسي الذي أعانيه، أحيانا أقول أنا مصاب بهوس التهويل، أو التفكير الكارثي، أو الهوس القهري، وما يدعوني لهذا القول هو أنني أعاني من التفكير الغير منطقي ونسج السيناريوهات، وتوقع السلبي دائماً، فمن حادثة بسيطة أتوقع الأسوأ، وعقلي يخبرني بأن شيئاً ما سيحدث لي، فمثلاً يا دكتور في عديد المرات التي أدخن فيها وأقوم بإطفاء السيجارة وأنا على يقين تام بأنها منطفئة، عقلي يخبرني بأنها لا زالت تشتعل وأنها ستحرق المكان وعندما أكون في الجامعة، عقلي يوسوس لي بأنني سأرفض من الجامعة؛ لأنني اشعلت النار في المكان، تفكير غير منطقي بالمرة ولكن عقلي مقتنع به، ناهيك يا دكتور أني أتثبت من إغلاق الباب عديد المرات، وأتثبت أيضا من أن قارورة الغاز مغلقة عديد المرات إلى درجة الملل.

وهذه الأيام حدثت معي حادثة بسيطة في مركز الشرطة مع زملائي إثر خلاف حدث مع سائق الحافلة وكان الخلاف عادياً، وانفضت المشكلة سريعاً في مركز الشرطة لأنها كانت عادية، ورئيس المركز بنفسه أخبرني أن المشكل قد انحل وأغلق، ولكن عقلي يوسوس لي كعادته ويخبرني بأن مكروها سيحدث، لم تغادر عقلي هذه الفكرة، أعاني منها الويلات، قلق وانقباض في الصدر ودقات قلب، وخوف شديد من المجهول وأنا على دراية تامة بأن الأمر قد انفض، ولكن عقلي أرهقني من هذا التفكير المقيت.

أرجو منك يا دكتور أن تساعدني في حالتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Anouar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب.

رسالتك واضحة جدًّا، فأنت لديك درجة مرتفعة من اليقظة النفسية، وهذا يكون دائمًا نتاج للنواة القلقية لديك صلبة، ونوعية التفكير الذي تعاني منه قطعًا هو تفكير وسواسي ولا شك في ذلك، الوساوس تكونُ أكثر استحواذًا وإيلامًا للنفس حين يكون الإنسان على درجة عالية من اليقظة النفسية كما في حالتك.

الأمر إن شاء الله بسيط جدًّا، والانقباضات التي تأتيك في الصدر هي نتاج أيضًا للقلق؛ لأن القلق النفسي يُؤدي إلى توتر، والتوتر يُؤدي إلى توتر عضلي، وأكثر عضلات الإنسان تأثُّرًا هي عضلات القفص الصدري.

أيها الفاضل الكريم: إذا كان بالإمكان أن تذهب إلى طبيب نفسي، فهذا سوف يكون أمرًا جيدًا، وإن لم تستطع فأنا أؤكد لك أن المشكلة بسيطة، هذه الأفكار يمكنك أن تُواجهها من خلال ثلاث آليات علاجية:

الآلية الأولى نسميها بـ (إيقاف الفكرة): أي فكرة تخطر لك تواجهها مباشرة بأن تقول: (قفي، قفي، قفي) عدة مرات، ثم تنتقل للتمرين الآخر، وهو (صرف الانتباه)، بأن تأتي بفكرة أخرى تكون مضادة تمامًا للفكرة الوسواسية، والتمرين الثالث ما نسميه بـ (التنفير)، أن تربط الفكرة الوسواسية - أو الفكرة المُقيتة - بشيءٍ مُنفّرٍ لها تمامًا، مثلاً: تتذكّر حدثا جميلا، لأن الجميل سوف يُنفّر القبيح، أو مثلاً: تقوم بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحسّ بالألم، الإحساس بالألم حين تُكرّره عدة مرات سوف يضعف الفكرة الوسواسية.

هذه برامج وتمارين جيدة ومفيدة جدًّا، وفي ذات الوقت أنت محتاج أن تمارس تمارين استرخائية مكثفة، تمارين الشهيق والزفير بقوة وببطء، مع التأمُّل النفسي الإيجابي، وأيضًا تمارين شدِّ وقبض مجموعة من عضلات الجسم ثم استرخائها، هذه أيضًا مفيدة جدًّا، لو طُبّقت على أصولها، إنْ ذهبتَ إلى الطبيب النفسي قطعًا سوف يُحوّلك للأخصائي النفسي ليُدرّبك عليها، وإن لم تستطع الذهاب إلى الطبيب فتوجد برامج كثيرة على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين. كما أن الشبكة الإسلامية أعدت استشارة مشهورة دائمًا نُشير لها رقمها (2136015)، يمكنك الاطلاع عليها ومحاولة تطبيق ما ورد فيها.

بالنسبة للوساوس الأفعال التي تُعاني منها - وهي بسيطة -: موضوع التثبت من إغلاق الباب، والتثبت أيضًا من أن أنبوب/أسطوانة الغاز مغلقة: هذه نوع من الوساوس التي تُقاوَم من خلال التحقير والإصرار على أن تتوقف من الفعل الوسواسي، وتُكرر ذلك عدة مرات، وإن قابلت الأخصائي سوف يخضعك إن شاء الله تعالى لتمارين سلوكية مباشرة.

أمَّا بالنسبة للخوف من المجهول وتوقع أن شيئًا ما سوف يحدث بالرغم من أنك على دراية تامة بأن الأمر قد انقضى، فهذه سمة من سمات القلق الشديد، خاصة إذا كان هذا القلق مصحوبًا بوسوسة افتراضية، وهذه الظاهرة هي جزء من الحالة التي تُعاني منها، فلا تنزعج، ونفس الخطة العلاجية إن شاء الله تعالى تفيدك في زوال مثل هذه الظواهر.

أنت تحتاج لعلاج دوائي قطعًا، ومن أفضل الأدوية العقار الذي يُعرف تجاريًا باسم (فافرين Faverin) واسمه العلمي (فلوفوكسامين Fluvoxamine)، تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوع، ثم تجعلها مائة مليجرام ليلاً لمدة شهرٍ، ثم مائتين مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم مائة مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناوله.

وهذا الدواء يتميز بأنه سليم، وأنه فاعل، ولا يُسبب الإدمان، وليس له أي تأثيرات أو أعراض جنسية سلبية، تُوجد أدوية أخرى كثيرة، ذات فاعلية في علاج حالتك هذه، لكن أرى أن الفلوفوكسامين سيكون هو الأفضل بالنسبة لك، ولا شك أن التطبيقات السابقة التي ذكرناها وممارسة الرياضة وتمارين الاسترخاء والتجاهل مع الدواء - إن شاء الله وبحول الله تعالى - تنتج عنها نتائج علاجية موفقة جدًّا وإيجابية جدًّا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً