الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في أشياء لا تنفع ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا إنسان كثير التفكير، وهناك مسألة تشغل بالي كثيرا، لماذا المسلم لا يجيد التفكير بدون دين؟ أعلم أن العقل بلا دين لا يسوى شيئا، وأنها وساوس من الشيطان، لكن أتسائل: كيف تطور الغرب بلا دين، ونحن مع الدين لا نستطيع فعل شيء؟

متأكد أن الإنسان يحتاج إلى ربه أكثر من الطعام والشراب، لكني ضعيف حين أفكر هكذا، لا توجد سعادة حقيقية مثل صلة الإنسان بربه، ما هي السعادة التي يتكلم عنها الغرب، أو أي مفكر؟ الأخلاق الحقيقية لا تكون إلا لمن يخاف ربه، أنا إنسان مقصر كثيرا في عبارتي، وأخشى على نفسي من هذا التفكير، علموني، فهموني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أستاذنا الكريم- في الموقع، ونشكر لك التواصل المستمر، ونسأل الله أن يُلهمك السداد والرشاد، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

أنا أريد أن أقول: المسلم الحق يُفكّر، وينظر، ويتأمّل، بل القرآن دعوة إلى أن يُفكّر الإنسان، والقرآن يمدح أُولوا النُّهى، أصحاب الألباب والعقول، ونحن الذين علَّمنا الدُّنيا العلم التجريبي، نحن أُمُّةُ {قلْ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، وأحبُّ أن أؤكد أن الكمال يتأتَّى عندما يكون هذا العقل مُنقادًا لشرع الله ولوحي الله تبارك وتعالى.

ولذلك أهل الغرب قال الله عنهم: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}، لكن هذه الدُّنيا يُعطيها الله لمن يعمل ولمن يجتهد، ولو كانت تزنُ عند الله جناح بعوضة ما سُقي منها كافر جرعة ماء، هي سُننٌ إلهية، مَن جدَّ وجد، والذي يعمل هو الذي يُوفَّق، والإنسان عليه أن يبذل الأسباب ثم يتوكّل على الكريم الوهاب.

والمسلم الذي يقعد ولا يُفكّر ولا يعمل هذا حقيقة ما فهم دينه، ولكن إذا فهمنا الدِّين فنحن أُمَّةُ العمل المستمر، بل إذا كان الأوروبي يُتقنُ فنحن عندنا الإحسان، والإتقان مُفيد، ولكن الإحسان أعلى منه، لأن المُحسنُ يُراقبُ الله فيُحسنُ في كلِّ أحواله.

ونحن الأُمّةُ التي تعمل حتى لو قامت القيامة، (لو قامت وفي يد أحدكم فسيلة – يعني: شتلة – فاستطاع ألَّا تقوم حتى يغرسها فليغرسها).

أرجو أن تكون المسألة قد وضحت بالنسبة لك، وقد أحسنت وصدقت فالإنسان يحتاج إلى ربه، وميل النفوس إلى التدّين عظيمٌ جدًّا، ولكن من المهم أن يتديّن الإنسان التديُّن الحق، والتصورات الصادقة الكاملة التي لا تُوجد إلًّا في صحبة رسولنا، لأن الأديان التي قبله حرّفها الأشقياء، والإنسان ضعيفٌ بنفسه لكنّه قويٌّ بإيمانه بالله تبارك وتعالى.

والسعادة الحقيقية – كما أشرت – لا يمكن أن تتحقق السعادة الكاملة إلًّا بالإيمان بالله تبارك وتعالى، والثقة به، والاتصال به سبحانه وتعالى، وغيرُنا يمكن أن يعيش اللذّة، واللذَّة هي سعادة محدودة، بوقتٍ مُحدَّدٍ، بزمنٍ مُحدّدٍ، بلحظاتٍ مُحدَّدة، ولذلك هم لا يجدوا السعادة الكاملة، لأن السعادة الكاملة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، الحريصة على ذِكره وشُكره وحُسن عبادته.

والأخلاق أيضًا لا تكتسب معانيها الكبيرة والقُدُسيّة إلَّا لمَّا ترتبط بهذا الدّين وبالله العظيم سبحانه وتعالى.

هذه النقاط التي أشرت إليها مهمّة، والإسلام يُجيب عليها، ولذلك ندعوك إلى أن تتفقّه في دينك، ونُكرر لك الشكر على التواصل، ونُبيِّنُ لك أن الدُّنيا في مشارقها ومغاربها بحاجة لهذا الدّين، وبحاجة لهذا النُّور الذي أكرمنا الله به: {يا أيها الناس قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبل السلام ويهديهم إلى صراط مستقيم}، ولكنّنا بحاجة إلى أن نفهم هذا الإسلام فهمًا صحيحًا، على نور وبيّنة من سُنّة نبينا صلى الله عليه وسلم، عندها سنسعد ونُسعدُ غيرنا.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً