الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل فساد الآباء ينعكس سلبًا على سلوك الأبناء؟

السؤال

السلام عليكم

هل سوء جذور الأهل يرد بسوء على الأبناء، أعني أن هناك من أعرفه كان إخوة أبيه يقومون بأعمال السحر، ويأكلون حقوق الناس ويفترون عليهم كذبا، وكان أبوه لا يتكلم، وإذا أخبره الفتي بسوء ما يفعله إخوته أنكر الأب كأن شيئا لم يحدث، كما اتضح فيما بعد أن الأب يفعل ما يريدونه منه، وقد طلبوا منه تطليق زوجته والتخلي عن أولاده، وفعل هذا دون تردد، ولا ندم بالرغم من طيب أخلاق الزوجة.

فسؤالي: هل أبناء هذا الرجل سيكونون فاسدين بسوء عمل والدهم وسوء جذوره؟ فإني أرى دائما من العلماء العظام والأناس الكرام أنهم دائما طيبو الأصل أبا وأما.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Alaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ابنتنا الكريمة في استشارات إسلام ويب.

أولاً: ينبغي أن نعلم – أيتها البنت العزيزة – أن الله سبحانه وتعالى حكم عدل، وكما قال جلَّ شأنه: {ولا يظلم ربك أحدًا}، وقد قدّر الله تعالى وكتب أن {كل نفس بما كسبت رهينة}، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، و{أن ليس لإنسان إلَّا ما سعى}، والآيات في القرآن الكريم كثيرة جدًّا في تثبيت هذا المعنى، وأن الإنسان مسؤول عن عمله، كما قال الله عز وجل: {تلك أُمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}، وقال: {ولا تكسب كلُّ نفسٍ إلَّا عليها}.

ولكن الإنسان يتأثر بمن حوله، فمن وُجد في بيئة صالحةٍ طيبةٍ فإن الغالب أن يُرجى له الخير والصلاح، متأثرًا بهذه البيئة، فإن الصاحب ساحب، والطباع سرَّاقة، وهذا هو الغالب من أحوال الناس، ولكن مع هذا قد يخرج خلاف هذا الغالب، فقد ينشأ الإنسان في بيئة صالحة طيبة ويكونُ إنسانًا فاسدًا، ولا أدلَّ على ذلك ممَّا نقرأه في القرآن الكريم من قصة نوح مع ولده، ونقرأ أيضًا في القرآن الكريم قصص بعض أزواج الأنبياء، {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئًا}.

فالهداية بيد الله تعالى، ليست إرثًا يتوارثه الناس، وليست عطاءً من الأبِ لابنه، ولا من الولد لأبيه، بل هي محض فضل الله تعالى وكرمه، يضعها حيث يعلم سبحانه وتعالى صلاحية المكان لها.

ومن المؤثرات التي يتأثر بها الإنسان المأكل والغذاء الذي يتغذى به، فمن غُذِّي بمالٍ حرام فإن الأغلب أنه ينشأ فاسدًا، ويُؤثر ويُفضّل أعمال السوء على أعمال الخير، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة جسد نبت على السُّحت) السحت يعني الحرام، فإذا كان الإنسان يأكل حرامًا فإن هذا يُهيئه ويُجهزه لفعل المعاصي والسيئات، ويُثقل عليه فعل الطاعات، سواء كان هذا الجسد الذي نبت بالسحت هو الذي كسب المال أو هو الولد الذي غُذّي بهذا المال الحرام، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم حين ذكر (الرجل أشعث أغبر يُطيل السفر، يمدّ يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وغُذّي بالحرام) (غُذّي بالحرام) يعني: كسب الحرام غيرُه ثم غُذّي هو به، (فأنَّى يُستجاب لذلك) هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

لكن هذه قواعد أغلبية، يعني: قد يخرج شيء على خلافها، فمن ثمَّ فأولاد هذا الرجل الذي تسألين عنه إن كان المقصود أنهم يأكلون من المال الحرام الذي يكسبه أبوهم – إن كان يكسبُ حرامًا – فإنهم قد يتأثرون بذلك، كما ورد في هذا الحديث.

أمَّا مجرد فساد الأب على نفسه فإنه ليس بالضرورة أن ينشأ الولد فاسدًا كذلك، ولكن قد يتأثّر بسبب المجالسة، وقد يُهيء الله تعالى له مؤثرات أخرى تجرُّه إلى الصلاح، فيكون من أصلح الناس.

نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً