الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس غريبة تنهال علي تكاد تقتلني، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم

قصتي مؤلمة، أتيت لأسألكم على أمل أن أجد عندكم الحل بعد أن تسلل اليأس إلي، ولكن لا تعلم لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

أنا شاب أبلغ من العمر 18 عاما، كنت انطوائيا، وأحب التفكر في الحياة والمعنى لها، والتفكر في خلق السماوات والأرض، والتعمق في اسرار الكون، وقراءة الكتب، ولكن كل هذا انقلب ضدي.

المشكلة التي حصلت معي أني في يوم غريب كنت أقرأ كتابا، وأثناء القراءة أتتني فكرة غريبة، وهي أن الكلمات متشابهة، وأن الكلام عبارة عن تكرار، والأحرف تكرار، والحياة ليس لها معنى.

في البداية الأمر كان مزعجا، لكنه تطور وصرت كلما سمعت كلمة أخاف جدا جدا، وبدأت أنام حتى أهرب من هذه الفكرة، لأن عقلي كان يقول لي أنك ستسمع هذه الكلمة كل مرة، وذهبت إلى الطبيب النفسي، فقال لي بأنه وسواس قهري، وأخذت دواء زولفت، ولكن الأمر زاد، وبعدها صرت أخاف من البشر، وتأتيني أفكار تخالف المنطق عن نفسي، وأن هذه النفس لا تستحق الحياة، وأيضا أتاني وسواس عن الشمس والخوف منها، ووساوس لا تصدق، وكنت أنهار من البكاء، وحياتي تدمرت، ولا أحد يفهمني.

ذهبت لطبيب آخر، وأخذت دواء آخر، ونفس الحال، أشعر أنني سأمزق جسدي، لا حول ولا قوة إلا بالله.

أنا الآن أعيش على الإبر حتى أنام فقط.

شكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أنت ذكرت في آخر رسالتك أنك الآن تعيش على الإبر حتى تنام فقط، أتمنَّى ألَّا تكون إبر (حقنًا) إدمانية أو تعوّديّة، وهذا الأمر حقيقةً يجب أن نأخذه على محمل الجدّ، النوم حاجة إنسانية طبيعية جدًّا، وكل الذي يحتاجه الإنسان هو: أن يُمهّد لصحته النومية بصورة ممتازة.

بالنسبة لما ذكرته في استشارتك: الأمر واضح جدًّا، بالفعل لديك أفكارًا وسواسية، والوساوس دائمًا تبدأ من حقائق، فأنت كان هدفك هو أن تبحث في العلم، وتتفكّر في خلق السماوات والأرض، وتتعمَّق حول هذا الموضوع، لكن بكل أسف يُعرف أن هذا النوع من التفكير ينقلبُ إلى ضدّه، ولذا ظهرتْ عندك الوسوسة، والوساوس دائمًا هي أفكار ملحّة، ومستحوذة، ومُهيمنة، وتُسبِّبُ الألم النفسي للإنسان.

أيها الفاضل الكريم: أرجو إن كان بالإمكان أن تقابل طبيبًا نفسيًّا فأرجو أن تذهب لمقابلة الطبيب، وإن لم يكن ذلك ممكنًا فيمكن أن تُعالج نفسك من خلال بعض التطبيقات السلوكية، بشرط أن يكون هنالك التزامًا تامًّا.

التطبيق الأول يتمثّل في أن تكتب كل الأفكار الوسواسية التي لديك في ورقة، تبدأ بأضعفها وتنتهي بأشدِّها وأقواها، ثم تُطبّق ثلاث تمارين علاجية على كل فكرة:

التمرين الأول: هو (إيقاف الفكرة الوسواسية): أن تخاطب الفكرة قائلاً (أقف، أقف، أقف، أنتِ فكرة حقيرة، أنت فكرة وسواسية سيئة)، هذا التمرين تمرين ممتاز، ويجب أن يستغرق دقيقتين على الأقل.

ثم تنتقل إلى التمرين الثاني، وتُطبّقه على نفس الفكرة الأولى، وهذا التمرين يُسمَّى بـ (صرف الانتباه عن الفكرة الوسواسية)، ويُقصدُ به أن تأتي بفكرةٍ أو فعلٍ يسمو على الفكر الوسواسي، فكرةٍ تكونُ أفضل، مثلاً: يمكنك أن تتأمّل في التنفُّس لديك، كيف أن الأكسجين يدخل في الرئتين، وكيف أنه يُحمل عن طريق الدم، وينتشر في الجسد، ليعطينا الطاقات التي تجعلنا نتحرّك ونمشي ونسعى في الحياة ... وهكذا، وقم بعدِّ التنفُّس لديك مثلاً، كم عدد الشهيق والزفير في الدقيقة الواحدة.

هذا التمرين (تمرين صرف الانتباه) إذا طبّقته بصورة صحيحة وبتأمُّلٍ قطعًا سوف يجعل هذه الفكرة تسمو على الفكر الوسواسي، ويمكن طبعًا أن تأتي بأفكارٍ أخرى جيدة.

التمرين الثالث هو ما نسميه بتمرين (التنفير)، ويُقصدُ به: أن تربط الفكرة الوسواسية بشيء منفّر، مثلاً: تقوم بشمِّ رائحة كريهة، وفي ذات الوقت تستجلب الفكرة الوسواسية. الفكرة من هذا التمرين: أن يلتقي الوسواس مع هذه الرائحة القبيحة الكريهة يُؤدي إلى ضعف الوسواس. طبعًا هذا التمرين يحتاج إلى تكراره على الأقل عشرين مرة، بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء.

ويمكن أيضًا أن تُطبق هذا التمرين (تمرين التنفير) بصورة أخرى، مثلاً: تقومُ بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسمٍ صلب حتى تحس بالألم. إيقاع الألم والتفكير في الفكرة الوسواسية في ذات الوقت تُضعف الفكرة الوسواسية.

هذه ثلاث تمارين ممتازة تُطبّق على كل فكرةٍ وسواسية، ومدة العلاج غالبًا يجب أن تستغرق على الأقل نصف ساعة، وتجلس في مكانٍ هادئ جدًّا، وتُطبِّق كل تمرين بجدية واهتمام.

هنالك أيضًا إجراءات أخرى علاجية نراها ممتازة جدًّا، أهمها تطبيق تمارين الاسترخاء، إسلام ويب أعدت استشارة رقمها (2136015) أرجو أن تطلع عليها وتُطبق هذه التمارين.

عليك أيضًا بالتواصل الاجتماعي، وحُسن إدارة وقتك، والحرص على الصلاة في وقتها، وأن تكون لك آمال وطموحات، وأن تكون بارًّا بوالديك، وأن تجعل لحياتك معنىً. هذا إن شاء الله يُزيح الفكر الوسواسي تمامًا.

أمَّا بالنسبة للعلاج الدوائي: فإن شاء الله تعالى يمكن أن يصفه لك الطبيب، وأنا أرى أن عقار (بروزاك) هو الأفضل.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً