الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس الخوف من الموت على نفسي وأهلي.. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم

أرجو الرد بأسرع وقت، فأنا منذ شهرين أعاني الخوف من الموت، وذلك بعد أن مررت بصدمتين (الأولى عندما توفت حماتي والثاتية عندما توفت جدتي، وبين الوفاة الأولى والوفاة الثانية ٤ أشهر)، عند وفاة حماتي تضايقت فترة صغيرة، وشفيت ولكن بعد وفاة جدتي بدأت المعاناة، لا أستطيع النوم جيدا أو لوحدي، أخاف جدًا على أمي، والذين أحبهم بأنهم سوف يموتون وأخاف على نفسي، وأتخيل نفسي بأني سأموت، وقد ابتعدت عن القرآن مقارنة عما كنت قبل؛ لأني عندما أقرأ القرآن أتذكر الموت وعندما أتذكر الموت أشعر بانقباض في صدري ومعدتي تشتد، وأشعر بالإعياء، وقد بدأت بشرب دواء Fluoxetine منذ يومين، ولكن ما زالت الأعراض.

أعراض مزعجة، الخوف من الذهاب إلى مكان، والخوف من أي شيء يعمله أهلي، أخاف عليهم أن يتعبوا ويحدث لهم شيء.

عفوا على الإطالة وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohamad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

أخي: القلق والخوف – وحتى الوسوسة – كلها طاقات نفسية إنسانية وجدانية مهمّة لنا في حياتنا، والذي لا يقلق لا ينجح، والذي لا يخاف لا يحمي نفسه، والذي لا يوسوس لا يكونُ منضبطًا، لكن هذه الطاقات النفسية يجب أن تُوظف التوظيف الصحيح، ويجب ألَّا ندعها تسير في الاتجاهات الخاطئة أو تؤدي إلى احتقانات نفسيّة سلبية.

أخي: موضوع الخوف من الموت هو أمرٌ شائع، وهو أمرٌ معروف جدًّا، وهو بلاء من الابتلاءات، كما قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، وهي قضية محسومة، ونحن ننصح الناس بأن تكون قناعاتهم حول الموت قناعات شرعية؛ لأن الخوف الشرعي مفيد وجيد، ويبعث طمأنينة في النفس، لكن الخوف المرضي هو الذي يُؤدي إلى الذهول، ويُؤدي إلى الهلع، ويُؤدي إلى التوترات.

الخوف من الموت الشرعي يعني: أن يُدرك الإنسان يقينًا أن الموت آتٍ ولا شك في ذلك، وأن الأعمار بيد الله، ولا أحد يعرف موعد موته أو في أيّ مكانٍ سوف يموت، الإنسان دائمًا ينبغي أن يعيش الحياة بقوة وجمال، ويسعى في ذات الوقت أن يكون مستعدًّا للقاء ربه، بمعنى آخر: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموتُ غدًا، يعني: يطلب الآخرة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} ولا ينسى نصيبه من الدنيا، {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} ويُحسن إلى نفسه وإلى الآخرين، يُفيد نفسه ويُفيد الآخرين، {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} ويحرص على ألَّا يكون من المفسدين في الأرض {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}. هذه يا أخي هي المفاهيم الصحيحة.

أخي الكريم: أداء الصلوات في وقتها، وتلاوة الورد القرآني اليومي، والمحافظة على الأذكار – خاصة أذكار الصباح والمساء والأذكار الموظفة في اليوم والليلة – هذه أمور وأشياء ذات قيمة عظيمة جدًّا لمن يداوم عليها ويحرص عليها، ويتفهمها على حقيقتها، فإنها تبعث على الطمأنينة { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

فيا أخي الكريم: لا تخاف من الموت خوفًا مرضيًّا أبدًا، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}، هكذا خُوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل خلق الله. وأنا أرى أن الخوف الشرعي من الموت يجعلك إنسانًّا فعّالاً في حياتك، مفيدًا في حياتك، مفيدًا لنفسك ومفيدًا لغيرك، مُكافحًا، مثابرًا، يقظًا. فإذًا هذا هو الذي يجب أن يسير عليه الإنسان.

طبعًا ما حدث من وفاة حماتك ثم بعد ذلك جدتك: هذه نسميها بـ (المثيرات السلبية)، ومثل هذه المثيرات يتعامل معها الإنسان أيضًا تعاملاً إيمانيًّا يقينيًّا، ويتعامل معها بالصبر وبالدعاء، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، الدعاء لمن مات له، ويدعو لجميع موتى المسلمين بالرحمة والمغفرة، فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلَّا من ثلاث، والولد الصالح من عمل الإنسان، منهم (الابن الصالح الذي يدعو له)، وإن شاء الله أنت من الصالحين أخي الكريم.

إذًا هذا هو التعامل مع موضوع الموت والخوف منه:
1. العلم واليقين والإيمان بأنه ابتلاء وأنه مصير كل إنسان، {كل نفسٍ ذائقة الموت}.
2. استقبال المصيبة بالصبر، (وإنما الصبر عند الصدمة الأولى).
3. الخوف منه خوفًا شرعيًا، لا خوفًا مرضيًا.

4. الدعاء عند وقوع المصيبة: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا)، (اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك فيه)، (اللهم إني أسألك عيشة هينة، وميتة سوية ومردًّا غير مخزنٍ ولا فاضح)، (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر).

5. الدعاء لمن مات له ولجميع موتى المسلمين بالرحمة والمغفرة، (اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد).

6. إخراج الصدقات لمن مات له.
7. صلة الأرحام التي لا تُوصل إلَّا به.

أخي الكريم: عليك أن تُحسن إدارة وقتك، ولا تترك مجالاً للفراغ، واستمتع بالحياة، ومارس الرياضة، صِل وتواصل مع أصدقائك وأرحامك، كل شيء جميل كن باحثًا عنه، كن شخصًا مُبدعًا في عملك وأحبّ عملك، وتتجنب السهر، واحرص على تنظيم غذائك، وطوّر نفسك مهنيًّا، هذا أيضًا فيه خير كثير.

أنا أعتقد أن هذا هو المطلوب في حالتك، أمَّا العلاج الدوائي فالفلوكستين لا بأس به، هو دواء جيد وإن كان بطيء الفعالية بالنسبة لقلق المخاوف، فعاليته الحقيقية تبدأ بعد أسبوعين إلى ثلاثة، وأنا أرى أنك يمكن أن تُدعمه بدواء آخر يُعرف باسم (ديانكسيت)، هذا سريع الفعالية، تناوله بجرعة حبة واحدة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم توقف عنه، واستمر على الفلوكستين لمدة ثلاثة أشهر، كبسولة يوميًا، بعد ذلك اجعل الجرعة كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً