الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغير موقف زوجتي من زواجي بثانية بعد أن كانت متفهمة!!

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتمنى من الله أن أجد الحل لديكم في هذه المشكلة، وهي: أنني متزوج وعندي طفلان، وقد قمت بالزواج بثانية وبعد مدة أخبرت زوجتي الأولى بزواجي، وشرحت لها الأسباب فتفهمت في بادئ الأمر ولم تكن تصغي لأحد من الذين يهولون الأمر عليها، وكانت تقول: زواجه أفضل من الوقوع في الحرام، والكل كان مستغرباً لرد فعلها، ولكن كانت عندما تختلي بنفسها تكون حزينة، وظلت على هذا الحال خمسة أيام، ثم سافرت أنا إلى الزوجة الثانية وتركتها، ولكن سفري لم يكن بسبب الزوجة الثانية، وإنما بسبب ظروف قاهرة شرحتها للأولى، لا أعتقد أنها تفهمتها.

وبعد سفري كنت كل يوم أتصل بها ولمدة عشرة أيام، كانت جيدة معي وراضية، لدرجة أنها كلمت الثانية برضاها، وبعدها فجأة طلبت مني الطلاق وأخبرتني بأنها قانعة مني ولا تريدني.

علماً بأني لن أفرط فيها، وأهلها غير موافقين على طلبها، ما سبب تغيرها المفاجئ؟ هل هو حسد من الناس لتصرفها الأول؟ لأنه كان تصرف امرأة عاقلة، أو ربما يكون عملاً -أي: سحراً-؟ لأن كثيراً من النساء لا يعجبهن ولا يرضين بردة فعلها الأولى، خوفاً من أن يقوم أزواجهن بالزواج، خصوصاً بأن رد فعلها الأول كان يضرب به المثل بين كل الأهل والأصدقاء.

ما هو الحل لهذه المشكلة؟ علماً بأن قرارها يؤدي إلى دمار أسرة متحابة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ العزيز/ ج م م حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يبارك لكما ويبارك عليكما وأن يجمع بينكما في خير، ونسأله تبارك وتعالى أن ييسر لك العدل وأن يجعلك من أهل الإحسان والفضل.

إني وجدت الإمام ابن الجوزي صاحب زاد المسير يقول : (ومن أراد صلاح زوجته فليمنع دخول النساء عليها)، وتعجبت من قوله ثم تبين لي مقصد الإمام؛ فإن المرأة تكون راضية وسعيدة وقانعة فتدخل عليها من تحرضها وتطالبها بالتمرد على زوجها وزيادة الطلبات عليه، بل والتنكيد عليه، وربما قالت لها: أنت لماذا ساكتة؟ وستضيعين نفسك، ولست أقل من فلانة التي فعل لها زوجها كذا وكذا!

مضيت أتتبع الإمام ابن الجوزي حتى ذكر قصة زوجة أبي مسلم التي كانت تعيش معه الحياة الطيبة وتشاركه في الذكر والصلاة والطاعات، حتى دخلت عليها من قالت لها: زوجك يدخل على معاوية رضي الله عنه، فلماذا لا يخدمك بجارية ويحسن أوضاعكم ويوسع عليكم؟! فلما دخل أبو مسلم وجدها تبكي وتقول: أنت وأنت! فرفع يديه وقال: اللهم من أفسدت علي زوجتي اللهم أعم بصرها، فأنكرت تلك الجارة بصرها وانتشر خبرها، وطلب الناس من أبي مسلم أن يسامحها، فتوجه أبو مسلم إلى الله فرد الكريم الرحيم على المرأة بصرها.

من هنا فنحن ندعوك إلى إكرام زوجتك الأولى والتمسك بها وتذكيرها بالعواقب السيئة للطلاق من ضياع للأولاد وصعوبة الحياة بلا زوج أو العيش مع رجل لا تحبه وترتاح إليه، وأرجو أن تقدر أثر التحريض عليها وتلتمس لها الأعذار، واحرص على أن تقوم بما أمرك الله به من العدل ولا تقصر في حق أطفالك، واطلب من زوجتك الثانية أن تقدر أختها الأولى وتعرف لها فضلها، فإن ما قامت به تجاهها هو من أخلاق الصحابيات والصالحات.

قد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقمن بزيارته صبيحة زواجه ويباركن له ولزوجته، وربما قمن بتجهيز الزوجة الجديدة لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وأخبار السلف الأخيار عامرة بالنماذج المشرقة في هذا المجال، فإنهم أقوام تأدبوا بآداب هذا الدين ولم يتربوا على المسلسلات والقنوات الهابطات التي نقلت لنا أخلاق وحياة من لا خلاق لهم، فحصل بسبب ذلك العار والشنار والعدول عن شريعة العزيز القهار، حتى وجد في النساء من تقول لزوجها: افعل ما شئت من الزنا والفواحش ولا تتزوج بثانية، فأراد الله أن يجعلها عبرة لمن اعتبر حيث أصيب زوجها بالإيدز الذي سلطه الله على العصاة، ونقل إليها المرض ففارقت الدنيا وهي تتحسر على مخالفتها لأمر الله: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[النور:63].

لا يخفى عليك أن المرأة تعتريها ظروف وأحوال قدرتها الشريعة، فخففت عليها بعض التكاليف، ومن هنا تتجلى عظمة الشريعة التي جعلت الأمر بيد الرجل الذي يقدم العقل على العاطفة ويتعامل مع الأمور بحكمةٍ وروية.

أرجو قبل أن ترسل الاتهامات جزافاً أن تبحث عن الأسباب العادية، فإن المرأة تتأثر بتصرفات زوجها بعد زواجه وتفسر كثيراً من الأمور على أنها تغيرات في زوجها، وهنا لا بد من الوضوح ولا بد من زيادة الاهتمام، وخاصة بالناحية العاطفية، مع ضرورة الاجتهاد في ملء فراغها وشغلها بالمفيد.

أرجو أن تعظم لها ما فعلته من حسن التصرف، وتشعرها أن مكانتها قد زادت في قلبك بطاعتها لله ورضاها بحكمه وإيمانها بشرعه.

أرجو أن تحرص على طاعة الله وكثرة التوجه إليه، فإن القلوب بين أصابعه يصرفها كيف شاء، واعلم أن الإنسان يجد أثر الطاعة في زوجته وولده، وإذا أصلح الإنسان ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين خلقه، فاتق الله في نفسك وأمسك عليك زوجك وزود نفسك بالصبر واحفظ لسانك إلا من الخير، واعلم أن الوفاء من خلق رسولنا والأنبياء، وستتبدل الأحوال بطاعتنا لذي العظمة والجلال وبمسارعتنا في الخيرات وبحرصنا على الجميل من الفعال، قال تعالى: ( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )[الأنبياء:90].

والله ولي التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً