الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف توفق صديقتي بين خدمة إخوتها ودراستها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صديقتي تدرس معي في منحة الماجستير، توفيت والدتها منذ أسبوعين إثر إصابتها بالكورونا، وكان البيت -كأغلب بيوتنا في مصر- يعتمد بشكل شبه كامل على الأم، لديها إخوة شباب ووالدها وهي وحدها الفتاة، الماجستير الخاص بنا ليس سهلًا ويحتاج الوقت والجهد، ورغم أن دكاترتنا مقدرون لموقفها، إلا أنه لا يمكن تأجيل الماجستير، لذا هي تحاول التوفيق بين أعمال المنزل ومذاكرة الماجستير بقدر الإمكان.

ولكنها في حيرة، تشعر أحيانًا بالذنب تجاه إخوتها ووالدها إن قصرت في حقهم، مثلًا هي قد تترك الطعام في الثلاجة ويحتاج فقط للتسخين، وهم ينتظرونها هي أن تسخن لهم الطعام، فإن لم تفعل فلن يأكلوا، وهكذا أشياء كثيرة، لا أقول إنهم سيئون، هم أيضًا مكتئبون، ولكن هي ايضًا مكتئبة، فلماذا عليها هي وحدها تحمل كل شيء؟

السؤال هنا، نحن لا نعلم ما هو الأفضل، هل يرضي الله تترك دراستها التي قد تؤمن لها حياة كريمة، وتجلس في المنزل لترعاهم، ومهما فعلت فلن تستطيع أن تعوض مكان الوالدة، أم تكمل طريقها وتحاول التوفيق بينهما، وتجعلهم هم أيضا يعتمدون على أنفسهم، ولا تؤدي دور الضحية التي يجب أن تصنع لهم كل شيء ولكن بقدر المستطاع؟

أنا حقًا لا أعلم ما هو الخير، أنصحها وأنا لا أعلم ان كان هذا هو حقا الخير، فأرجو لو تجيبوني بإجابة واضحة بقدر الإمكان، لنعلم هل شعورها بالذنب هذا هو حق، وعليها أن تلبيه، أم أن لها هي أيضا حق لتكمل تعليمها، وتؤمن لنفسها حياة أفضل، ولا توقف كل شيء لتخدمهم فقط؟ مهما كان ما ستقولونه فسننصاع إليه بأمر الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حسنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك بداية هذه المشاعر النبيلة تجاه الزميلة، نسأل الله أن يرحم والدتها وأموات المسلمين، وأن يرحمنا إذا صِرنا إلى ما صاروا إليه، إنه على كل شيء قدير.

حقيقة نحن نحب أن نؤكد أن هذه الفتاة ينبغي أن تُكمل دراستها، وعليها أن تجتهد في التنسيق والترتيب لتوفّق بقدر المستطاع بين مهامها الداخلية في مكان الأم، وبين رسالتها العلمية التي تُريدُ أن تصل بها إلى نهاياتها المعقولة.

وعليه: نحن نرى أن النجاح لا يكون بترك هذا ولا بترك ذاك، ولكنّ النجاح في التنسيق بقدر المستطاع، وعليها أن تستمر، وعليهم أن ينتظروا ويتقاسموا هذه التضحية، فإن الصعوبات التي تحصل بعد الوالدة –رحمها الله– ينبغي أن يتقاسمها الجميع، ولا تكون على ظهر واحد منهم أو واحدة، وهي هذه الفتاة صاحبة القصة المذكورة.

والذي يهمُّها في هذا الأمر هي أن تجتهد في التفاهم مع والدها، فهو صاحب الحق الكبير، ولا أظنُّ أن الوالد يرضى بأن تتوقف عن دراستها، بل إن الاستمرار في الدراسة مع التنسيق مع واجبات البيت فيه المصلحة لكل الأطراف، فهم أيضًا بحاجة إلى أخت متعلِّمة لها في يدها ما تستطيع أن تعاون به نفسها وتعاون به والدها وتعاون به إخوانها إذا احتاجوا، فالتأهيل العلمي هو خدمة للأسرة من أوّلها إلى آخرها.

وعليه: نحن لا نتردد في دعوتها إلى الاستمرار في التنسيق بين المهام خارج البيت والمهام داخل البيت، وحبذا لو شعر الإخوة أيضًا بدورهم فقاموا بمساعدتها، لأن ما كان يحصل من الوالدة –رحمة الله عليها– من تحمُّل كافة المهام، وترك الجميع دون أن يُشاركوا كان هذا أيضًا يحتاج إلى تصحيح، لكنّها –رحمها الله– أدَّت دورها كاملاً حتى مضتْ إلى الله تبارك وتعالى، والدور الأكمل هو أن نُدرّب كل مَن حولنا على تحمُّل المسؤوليات، بل الإداري الناجح ليس الذي يتولّى كل شيء، ولكن هو الذي يُوزّع الصلاحيات ويوزّع المهام، وعندها يكون إتقانا ويكون هناك تعاون ويكون هناك حب ويكون هناك نجاح لجميع الأطراف.

أكرر: نحن ندعوها لمواصلة الدراسة، وشُكرًا لك وللمعلمين والمعلِّمات على معاونتها على الاستمرار في هذه المسيرة، وهذا هو المنتظر منكم جميعًا، والمنتظر من أهل البيت أيضًا أن يُعاونها على النجاح حتى تُكمل مشوارها العلمي الذي فيه الخير الكبير، ورحم الله أمواتنا وأموات المسلمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً