الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس أتعبني جدا، ولا أستطيع العيش بشكل طبيعي.

السؤال

السلام عليكم.

أصبت بوسواس قهري شديد منذ (2019) وأتعبني جدا، الحمد لله أستطيع التحكم فيه في الصلاة، والوضوء، والمرض، ولكن في الأكل لا أستطيع، أعيش في بريطانيا، وأغلب الكافيهات والمطاعم حتى التي تقدم اللحوم الحلال تبيع الخنزير، فعندما أريد أن أشرب القهوة أو العصير من مقهى ويستخدمون أكوابا من البلاستيك يخطر ببالي أن كل شيء نجس، فيمكن أن الموظف لمس ساندويتش فيه لحم خنزير وثم لمس الكوب، أو لمس الثلج، أو المال، وتنجس كل الأشياء.

أخاف من كل شيء، وأشك وأفكر كثيرا، وأضيع وقتي على الإنترنت، وأقرأ الكثير من الفتاوي لساعات ولا أنام، وأبكي خوفا، ولا أحب أن أخرج مع أهلي؛ لكي لا أشعر بالوسواس، لا أعلم إذ كنت موسوسة أم هذا الفعل صحيح؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Dalal حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

الوسواس الفكري مثل النوع الذي تعانين منه يُعالج من خلال ثلاث خطوات علاجية، تسبقها خطوة نسمِّيها (التحليل السلوكي)، ومن خلال التحليل السلوكي تقومين بكتابة كل الأفكار الوسواسية التي لديك في ورقة، تبدئين بأضعف هذه الأفكار وأقلَّها حِدة وشدة، إلى أن تنتهي بأقواها وأشدِّها، وبعد ذلك تُطبقي ثلاث تمرينات على كل فكرة وسواسية، وهذه التمرينات هي: (إيقاف الأفكار)، (صرف الانتباه)، و(تنفير الفكرة).

فيما يتعلق بتمرين (إيقاف الأفكار): أولاً من حيث المبدأ الإنسان يجب أن يتجاهل الوساوس، يجب ألَّا يخوض في تفاصيله، ولا يدخل في حواره أبدًا، وبعد ذلك تُخاطبي الفكرة قائلة (أقف، أقف، أقف، أنتِ فكرة حقيرة، أنا لن أهتمّ بك أبدًا ...) تُكرري هذا عدة مرات حتى يحدث لك نوعًا من الإجهاد، وهذا التمرين يُكرر مرتين أو ثلاثة في اليوم.

أمَّا تمرين (صرف الانتباه): بدلًا أن تُفكري في الوسواس قرِّري مع نفسك أن تُفكّري في شيء آخر، شيئًا أكثر أهمية، شيئًا له خصوصيته بالنسبة لك، أو مثلاً تقومي بحركة مُعيّنة، مثلاً تأخذي نفسًا عميقًا، ثم تقومي بعدِّ التنفُّس لديك لمدة دقيقتين، هذا نسميه بصرف الانتباه والانشغال عن الفكرة الوسواسية، يعني الانشغال بغيره لا به، ويعتمد على التأمُّل والاستغراق الذهني.

أمَّا تمرين (تنفير الفكرة): اربطي الفكرة الوسواسية بشيء مخالف لها، وقد وُجد أن إيقاع الألم بالنفس هو من أفضل الوسائل التي تُضعف الفكرة الوسواسية، مثلاً اجلسي أمام طاولة خشبية صلبة – مثلاً – وتأمَّلي في الفكرة الأولى دون أن تدخلي في تفاصيلها، ثم قومي بالضرب على يدك بقوة وشدة على سطح الطاولة حتى تحسّي بالألم.

تكرري هذا التمرين عشرين مرة متتالية، بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، وقد وجد أن ربط الألم بالفكرة الوسواسية سوف يُضعفها، وكثير من الذين طبقوا هذا التمرين وجدوه ناجحًا جدًّا، وبعد أسبوعين إلى ثلاثة تختفي الوساوس تمامًا.

هذا التمرين يمكن أن يُطبق أيضًا بطريقة أخرى، مثلاً تقومين بشمِّ رائحة كريهة، وفي ذات الوقت تستجلبي الفكرة الوسواسية، وفي بداياتها تُركّزي على شمِّ الرائحة الكريهة، هذا أيضًا يُضعف الوساوس. أو تقومين بوضع الرباط المطاطي على رسغ يدك ثم تقومي بشدِّ هذا الرباط بقوة نحو يدك حتى تحسين بالألم، وهذا أيضًا من الأساليب التي تنفع في تنفير الفكرة الوسواسية عن النفس.

إذًا هذه التمارين تمارين جيدة، وممتازة، ومُجرَّبة علميًّا، لكنها تتطلب التطبيق الدقيق، وأن يكون الإنسان لديه القناعة والنية والعزم على تنفيذها.

بصفة عامة: مبدأ التحقير لوساوسك مهمٌّ جدًّا جدًّا، موضوع ما هو نجس، وموضوع الخنزير، الحلال، الحرام. طبّقي هذه التمارين، وفي ذات الوقت يجب أن تبني قناعاتك بصورة مختلفة، ودائمًا سل الله تعالى أن يغفر لك، لأن الاستغفار سلاح عظيم لمواجهة مثل هذه الأفكار، دائمًا نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ما علمنا وما لم نعلم، لأن الله أعلم. فلا تُعرضي أي نوع من الحرج الشرعي في هذا السياق.

أنت محتاجة لعلاج دوائي، الدواء سوف يفيدك جدًّا. من أفضل الأدوية التي يمكن تناولها عقار (بروزاك) والذي يُسمَّى علميًا (فلوكستين)، جرعته هي أن تبدئي بكبسولة واحدة في اليوم (عشرون مليجرامًا)، تتناوليها لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك تجعلي الجرعة حبتين يوميًا – أي أربعين مليجرامًا – استمري عليها بانتظام لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعليها كبسولة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم توقفي عن تناول البروزاك، وهو دواء معروف وسهل وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية.

وإنْ ذهبت إلى طبيب نفسي هذا أيضًا سوف يكون مفيدًا لك جدًّا وخيرًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً