الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هو الحل النهائي للوساوس القهرية؟

السؤال

السلام عليكم

اكتشفت أن أي شيء أتعلق به تتسلط علي الوساوس فيه، فمثلاً في الدين تسلطت علي الأفكار الدينية والإلحادية ووسواس الموت، ولما أشاهد فيلما يدور في عقلي أني لم أشاهده جيداً، وعلي إعادة مشاهدته.

الوسواس هو في طبيعته فكر إلحاحي، النقاش معه عقيم، ولما أقوم بما يقوله أشعر بارتياح، بعدها يتجدد لشكل آخر، ويتسلط عليّ نفس الشيء مع الصلاة، لما كنت متعلقاً بالدين يقول لي: إن صلاتي لا أصليها بخشوع، وعلي إعادتها وإلا سيغضب الله علي، مع أني متأكد أني صليتها بشكل صحيح.

لما كنت أتجاهل ذلك كنت أرتاح، لكنه مع الوقت كأن الفكرة تتفجر وتعشش، ولما قرأت كتب الإمام الغزالي شككت أن بعض الفقرات لم أقرأها جيداً، فما الحل؟

أراجع طبيبة نفسية، وأخبرتني أن الوسواس لا يوجد له علاج نهائي، هل هذا صحيح؟ ما هو الحل النهائي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عيسى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب.

الوسواس القهري له عدة أنواع: قد يكون على نطاق الفكر، أو الأفعال، أو طقوس، أو مخاوف، أو شكوك، أو غير ذلك.

الوساوس يمكن علاجها بنسبة ثمانين بالمائة (80%)، وهذه نسبة عالية جدًّا حين نقيس ذلك بأي مرضٍ طبيٍّ آخر، والعلاج يكون علاجًا دوائيًّا وعلاجًا نفسيًّا واجتماعيًّا وإسلاميًّا.

على نطاق العلاج الإسلامي: بعض صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشتكوا من الوساوس، أتى بعضهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: (إنَّا لنجدُ في أنفسنا ما يتعاظمُ على أحدنا أن يتكلَّم به) – أو كما قال – فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أوَجدتموه؟) قالوا: نعم، قال: (ذاك صريح الإيمان)، وقال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بأن يستعيذوا بالله من الشيطان وأن ينتهوا؛ فقال: (فليستعذ بالله ولينته)، ونصح بأن يقول الواحد منهم: (آمنت بالله)، أي: لا يسترسل مع الوسواس، ولا يُحاوره، ولا يُحلِّله، بل يغلق الطريق أمامه تمامًا، ويُكثر الإنسان من ذكر الله، ومن ذلك قول (آمنت بالله).

الأمر الآخر وهو العلاج النفسي: الإنسان أيضًا يجب ألَّا يحاور الوسواس، يجب أن يُحقّر الوسواس، ويجب أن يصرف انتباهه عن الوسواس.

هنالك أيضًا ما يُسمَّى بالعلاجات التنفيرية لها تفاصيلها.

على النطاق الاجتماعي: الوسواس يُعالج من خلال حُسن إدارة الوقت، لأن الوساوس تتصيد الناس في أثناء الفراغ، والإنسان اجتماعيًّا يجب أن يُحدد جدول أسبقياته، يحرص على التواصل الاجتماعي، يحرص على القيام بواجباته الوظيفية، أو الحرص على الدراسة إن كان طالبًا، ممارسة الرياضة، صلة الرحم، زيارة المرضى، تلبية دعوات الأفراح، المشي في الجنائز، أن يكون الإنسان إيجابيًا من الناحية الاجتماعية.

بعد ذلك يأت العلاج الدوائي، وهو مهمٌّ جدًّا، لأن معظم الوساوس أحد مُسبِّباتها هو نوع من الاضطراب أو عدم الانتظام في إفراز بعض المواد الكيميائية تُسمَّى بالموصلات العصبية.

هذه العلاجات الأربعة – العلاج النفسي، والعلاج الاجتماعي، والعلاج الإسلامي، والعلاج الدوائي – يجب أن تكون متكاملة، ووساوسك هي وساوس فكرية ممَّا يسهل علاجها.

إذًا مَن ينتهج هذه المناهج العلاجية يستطيع أن يتخلص من الوساوس، فأنا أقول لك: واصل مع الطبيبة النفسية، وتناول الأدوية حسب ما تُوصف لك، وعلى النطاق النفسي والاجتماعي والإسلامي يجب أيضًا أن تكون ملتزمًا بالتوجيهات العلاجية السلوكية.

علاج الوساوس يعتمد على التغيير الشامل الذي يشمل نمط الحياة، ليست علاجات آنية أو إسعافية، إنما يُغيّر الإنسان ويُبدِّل نمط حياته بالكامل على الأسس العلاجية التي ذكرناها لك، ومَن يقول أن الوساوس لا يتم الشفاء منها، هذا من وجهة نظري مُخطئ، أقلِّيةٍ قليلةٍ جدًّا من الوساوس قد تظلّ لفترات طويلة مع أصحابها.

هؤلاء غالبًا يكونون قد تعايشوا مع الوسواس، ولم يحاولوا التخلص منه أو علاجه بصورة فعّالة، هذه القلّة القليلة هم الذين تصل وساوسهم إلى ما نُسمِّيه بـ (الوسواس القهري مع افتقاد الاستبصار)، يعني: الإنسان تعايش مع الوسواس وتكامل معه، وهذه تكون إشكالية، لكنها في قلّة قليلةٍ جدًّا من الناس، وكما ذكرتُ لك هؤلاء هم الذين أهملوا في علاجهم.

أرجو -أيها الفاضل الكريم- أن تلتزم بالمبادئ العلاجية، وأنا أبشرك تمامًا أن الوساوس يمكن أن تُعالج علاجًا كاملاً ويشفى منها الإنسان تمامًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً