الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من اضطراب الشخصية الحدّيّة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مسلم، وأحاول أن التزم بما قاله الله لي من أوامر ونواهي، كعدم فعل الحرام، وبر الوالدين و غيرهما.

وأنا -الحمد لله والشكر لله- مريض نفسي بمرض يسمي اضطراب الشخصية الحدية، وأينما أنظر على هذا المرض يذكر أنه بسبب إساءة الوالدين للأبناء، وهذا يأتي بكل الأشكال، نفسيًا وجسديًا، وأي شكل قد تأتي الإساءة به.

وعلى هذا المنطق أنا حاولت أن أعلم إن كان مثل هذا الشيء ينطبق عليّ كمريض بهذا المرض -الحمد لله-، وتم تشخيصي من قبل متخصص في الأمراض النفسية، ولكن عندما أحاول أن أتذكر من الماضي الخاص بي، لا أجد ما أتذكره ومعظم ذاكرتي من ماضي الخاص بي من الطفولة وغيرها وأنا عندي 18 سنة لا أستطيع تذكر الكثير منها.

وعند بحثي عن سبب ذلك هو أن العقل يرى ما يؤلمه، ولا يستطيع التعامل معه فيخفيه عنك، وبذلك لا تستطيع تذكره كوسيلة دفاع للعقل عن نفسه، وتخفيف الألم عنك.

وإذا كان عن ما أتذكر من مظاهر الإساءة، فهناك ذكري بعيده لضرب والدي لي، وأنا صغير في السن قبل ال7 سنين حتي نزف أنفي، وحتى إن اضطرّت أمي للتدخل حتى لا يفعل بي المزيد (وكان سيفعل).

حدوث مشاجرة بيني وبين والدي في سن الـ16 بسبب أني لم أريد أن أعطيه حاسبي المحمول الذي كنت ألعب عليه، وأنا في إجازة الصيف، ففي هذه المشاجرة ضربني والدي مرة واحدة، ولكن بقوة حتى اصطدم وجهي بالباب، ونزف حاجبي، بسبب ذلك، وتبرأ مني ورماني بألفاظ خارجة لا أقدر على أن أذكرها هنا، وأمي فعلت بي نفس الشيء. وبسبب مرضي النفسي فأنا كنت أريد أن أنتحر وما زلت لحد ما، فأمي كانت لسبب أو لآخر تأمرني أن أذهب، وأقتل نفسي حتى ترتاح هي ووالدي مني، وهذا الأمر لم يكن مرة أو مرتين كان على الأقل أربع مرات، وكانت تقلل من معاناتي من المرض النفسي الذي عندي، وأنا قبل ال14 من عمري كنت متألم جدا من شيء فعلوه فواجهتهم بها ولكنهم قالوا أنهم لم يفعلوا شيئاً من هذا القبيل، وأني مخطئ في ذلك، وحتى لم يحاولوا أن يعلموا لماذا أنا أقول ذلك، ولم يعطوا اهتماماً لعاطفتي، وإحساسي على الإطلاق وهذا حدث عدة مرات لا أتذكر منها إلا هذه.

ولكني -الحمد لله- لا أنكر فضل والديّ في إطعامي وتربيتي، ولكني متألم جدًا، ومرضي يجعل هذا الألم موجع جدًا، وأنا حول والديّ أشعر بالخوف منه لدرجة لا تتخيلها، وأمي أخاف أن أكلمها في أي شيء لكي لا تفعل مثل ما فعلت بي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أولاً أيها الفاضل الكريم: اضطراب الشخصية الحدِّية هو أحد التشخيصات التي حولها الكثير من اللغط وعدم الاتفاق، هنالك تجربة علمية رصينة جدًّا، فقد عُرض عددًا من الذين يُعانون من اضطراب الشخصية الحدِّيَّة - أو هكذا تمَّ تشخصهم - ومعظمهم من الإناث؛ حيث هذا النوع من الشخصيات يُوجد أكثر وسط الإناث، عُرضوا على عشرة من كِبار الأطباء النفسيين، فكان الاتفاق على اضطراب الشخصية الحدِّيَّة وسط خمسة فقط، أي أن خمسة أكدوا التشخيص، وخمسة رفضوا التشخيص.

إذًا – يا أخي الكريم – هذا التشخيص أصلاً تشخيص واهي، وأنا طبعًا لا أنكر وجوده، هو موجود، وبعض الناس لديهم بعض السمات المتعلقة بالشخصية الحدّية، وبعض الناس قد يكون لديهم كل المكونات التشخيصية التي تُميّز اضطراب الشخصية الحدّيّة.

حقيقة: هنالك نقطة مهمّة جدًّا في ختام رسالتك، وأنت ذكرت أنك تشعر بالخوف حيال والدتك، ولك أيضًا بعض المخاوف حيال والدتك ولا تريد أن تخطرها بكل شيء. هذا في حدِّ ذاته يجعلني أشكُّ كثيرًا في تشخيص الشخصية الحدّيّة، لأنك شاب، لديك وجدان، لديك عواطف، لديك تمييز، ولديك هذه المشاعر التي قلَّ ما نجدها عند الشخصية الحدِّيّة، فهي شخصية مندفعة، ولا تُراعي الآخرين.

إذًا يجب حقيقة أن تكون أكثر ثقة في نفسك، ويجب أن تعرف أنك ربما لديك بعض سمات الشخصية الحدّية وليس كل سماتها التشخيصية، وهذا في حدِّ ذاته أمرًا جيدًا.

الأمر الآخر هو أن الدراسات الآن أشارت أن الشخصية الحدّية تتقلَّص سماتها مع مرور العمر، يعني: النضوج النفسي والبيولوجي والاجتماعي يحدث لكثير من الشخصيات التي وُصفتْ بالشخصية الحدِّيّة.

بالنسبة لسؤالك وتخوّفك فيما يتعلق أن أحد أسباب هذه العلّة هو إساءة الوالدين للأبناء في الصغر: هذا الكلام يجب أن نكون حذرين حوله، الشخصية الحدّيّة لا تُعرف أسبابها، لكن هنالك نظريات تقول أن عدة عوامل إذا تجمّعتْ تكون هي السبب في الشخصية الحدّية، ومن هذه العوامل التكوينات الجينية – أي الوراثية – قد تكون عاملاً مُهيئًا، ومن العوامل المُرسِّبة والمهيئة هي التنشئة البيئية، بمعنى الإساءة – كما تفضلت – من الوالدين، أو على نطاق المدرسة، أو خلافه، وحتى الإصابة بالفيروسات في سنين العمر الأولى ذُكرتْ كأحد الأسباب للشخصية الحدِّية، وأيضًا صعوبات الولادة وانقطاع الأكسجين عند الولادة؛ هذا أيضًا ذُكِرَ.

إذًا لا يوجد سبب واحد للشخصية الحدّية، وفي معظم الحالات لا تُوجد أسباب.

فيا أخي الكريم: أنا حرصتُ كثيرًا أن أصحِّح مفاهيمك، وأعجبني كثيرًا أنك ملتزم بواجباتك الدينية، فأرجو أن تسير في نفس هذا المسار، وأرجو ألَّا تحكم على نفسك من خلال هذا المُسمَّى التشخيصي (الشخصية الحدِّيَّة)، عش الحياة بقوة، وعش الحياة بتوازن، واجتهد في دراستك، وأكثر من التواصل الاجتماعي الإيجابي، وكن إيجابيًا في كل شيء. كما أرجو أن تواصل المتابعة مع طبيب نفسي تثق فيه.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً