الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا مثقفة ومتفوقة لكني أشعر بأن شخصيتي مهزوزة.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة خجولة، وأشعر بأن شخصيتي مهزوزة وضعيفة، على الرغم من أني مثقفة ومتفوقة ومتميزة في الكثير من الجوانب، إلا أنني لا أعرف كيف أتصرف وسط الجماعة، وأشعر بأن شخصيتي تصبح ضعيفة، ففكرت أن أصبح قائدة لأحد الفرق لتزيد ثقتي بنفسي، وأتمتع بشخصية أقوى وبدأت معهم بحماس بالغ، إلا أنني تفاجأت بانسحاب البعض، وبإنتقاد البعض الآخر، على الرغم من أنني لست مخطئة في كل ما قالوه إلا أن ما أثر في هو قولهم بأنه يجب علي التقليل من أسلوبي؛ لأنني أتكلم كمتحكم وآمر، وقالوها بإستهزاء واضح مما جعلني أعود بذلك لمرحلتي السابقة، فبدأ قلبي يخفق بشدة، واستمر لفترة طويلة مصحوبا بقلق وتوتر وأصبحت أخشى الحديث معهم.

تكررت تلك المواقف معي قبل عام عندما كانت بعض الطالبات يهزأن بي، فما كان مني إلا الانسحاب والجلوس في دورة المياه والبكاء طيلة ساعة كي لا أتقابل معهن، والآن أنا متأثرة جدا لضعف شخصيتي، وأريد حلاً لأصبح أقوى ولا أتأثر وأتخلص من هذه الحالة المزعجة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Nur حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً وسهلاً بك عزيزتي، وأشكر ثقتك بنا.

قرأتُ رسالتك ولم أرى أمامي فتاة بشخصية ضعيفة ومهزوزة كما وصفتِ نفسك، ولا أرى لديك مشكلة حقيقية تتمثل في فوبيا اجتماعية أو ضعف الثقة بالنفس، فأنت تعرفين تماماً ما هي نقاط قوتك وتدركينها (مثقفة/ متفوقة/ متميزة في الكثير من الجوانب)، وأيضا ليس لديك ضعف في تقديرك لذاتك، فما وجدته أمامي فتاة تنظر إلى نفسها بطريقة إيجابية وعين كبيرة، وتُقدّر نفسها ونقاط قوتها.

لذا مشكلتك كما أراها هي:
ضعف في مهاراتك الاجتماعية وخاصة ضمن الأوساط الاجتماعية أو المكتظة بالناس، وهذا يؤثر حتماً على ثقتك بنفسك (كعَرَض وليس مشكلة أو سبب).

وقد يعود سبب مشكلتك إما إلى:
- ضعف أو قلة في خبراتك الاجتماعية سواء في طفولتك أو مراهقتك.

- أو من المحتمل أنك تعرضتِ إلى خبرات سلبية قد لعبت دوراً في تعزيز فكرة أنك لا تجيدين التصرف في الوسط الجماعي.

- أو موقف ما تعرضت له أمام الناس سابقاً قد هز ثقتك بنفسك وبمهاراتك الاجتماعية.

- أو قلة في تعرضك لنوعية الخبرات الاجتماعية الإيجابية التي تعزز لديك فكرة أنك تجيدين التصرف في الوسط الجماعي.

ما أريدك أن تعرفيه أنني أراكِ فتاة واثقة بنفسها، لديك تقدير عال لذاتك، ما تحتاجينه هو فقط تطوير وصقل لمهاراتك الاجتماعية والشخصية إضافة إلى تكثيف من خبراتك الاجتماعية.

لذا دعيني هنا أطرح عليك هذه النقاط للتفكير بها سوياً:
- إن ثقة الإنسان بنفسه ضمن الأوساط الجماعية هي سمة مكتسبة ومتغيرة.

مكتسبة: حيث يتم اكتسابها من خلال التربية التي تلقاها في طفولته، والخبرات الحياتية الأولى.

متغيرة: حيث تزداد أو تنقص وفقا لنوعية وكثافة الخبرات الاجتماعية في مراحل حياته اللاحقة.

- جميعنا معرضون لما حدث معك، لذا تأكدي أن جميع الأشخاص الواثقين من حولك والذين ترينهم يحسنون التصرف في الأوساط الاجتماعية قد تدربوا على ذلك إما بطرق سهلة، أو صعبة، لا فرق، فالمهم أنهم تدرّبوا على ذلك، ولم يحصلوا على ثقتهم كـ 'تحصيل حاصل'.

- بالنسبة لك، ما قمت به بنفسك هو في قمة الروعة، وهو مبادرتك بوضع نفسك في مواقف جديدة عليك اجتماعياً (قائدة في إحدى الفرق) بهدف التطوير من نفسك ومهاراتك، وهذا يعكس لي الجرأة التي بداخلك وحس المبادرة، وهما صفتان عندما تتواجدان بالشخص، فغالبا ما سيصل إلى ما يريده في الحياة، أياً كان، وخاصة إن أرفقهما بالإرادة والمحاولة المستمرة.

- ما حدث معك هو أنك دخلت لتجربتك الجديدة في قمة الحماس، هذا الحماس قد دفعك إلى نجاحك ببعض الأماكن، وإخفاقك في أماكن أخرى، ثم أُحبطت جراء انطباعات بعض أعضاء الفريق، وتصريحهم لك عن السبب، وهو أسلوبك الذي يميل إلى الأمر والتحكم، وهذا دفعك للإحباط وانتكاسة لثقتك بنفسك قليلا، وهذا الإحباط بدوره دفعك إلى الإنسحاب وتجنب الناس من حولك وخاصة من يذكّرك بإخفاقك.

برأيي ردة فعلك طبيعية جداً، ولكن الاستمرار فيها هي الغير طبيعي، ومراسلتك لنا هي أكبر دليل على رغبتك بعدم الاستمرار بها، وأيضاً رغبتك بالتغيير من نفسك، لذا ما أراه أنك فتاة تعرفين تماماً نقاط ضعفك وكيف ستعملين على تطويرها وتعديلها.

- الأسلوب الذي وقعت به والذي وصفوكِ به أعضاء الفريق، هو خطأ منتشر جداً من أخطاء التواصل، وجميعنا معرضون لأن نقع به عن غير قصد، فلا أراه يُهين شخصيتك، أخلاقك، معدنك، بل أراه مجرد خطأ من أخطاء التواصل مع الآخرين، ولكن ما حدث أنك قمتِ بتضخيمه بسبب شعورك الذاتي من الأساس بضعف ثقة بمهاراتك الاجتماعية.

- لذا من المهم جدا أن تقرري الآن أنك ستغيرين من نفسك، وهذا يعتمد كما أخبرتك على (التطوير من مهاراتك الشخصية/ تعريض نفسك بشكل مكثف لمواقف اجتماعية قدر الإمكان/ المحاولة المستمرة وعدم اليأس وذلك من خلال تذكير نفسك دائما بالهدف الذي تريدين الوصول إليه، وبالتطور الذي أحرزتِه في شخصيتك، وأيضا مزاياك الشخصية).

من أولى خطوات التطوير هي:
- التحاقك بدورات تقوية الثقة وتعزيز الذات وهذه كثيرة، سواء على أرض الواقع أو عبر الانترنت اونلاين، أو مشاهدة الفيديوهات التي تتحدث عن هذا الموضوع من طرف مختصين نفسيين، أو متابعة قنوات مدربي مهارات الحياة المتاحة في الانترنت أو قراءة كتب تتناول هذا الموضوع، جميع هذه الخطوات مفيدة جدا لك، فهي سترفع من وعيك حول مشكلتك، وستعطيك طريقة تفكير مختلفة للنظر إلى المشكلة مع كيفية تجاوزها.

- من النافع لك أيضاً أن تقرئي كتباً أو فيديوهات على الانترنت تتحدث عن مواضيع (مهارات التواصل الفعال/ الشخصية القيادية/ فن الخطابة/ الجرأة في مواجهة الجماهير/ كيف أتحدث أمام الناس بشجاعة)، فالتطوير من النفس يبدأ من القراءة والتغيير من أفكارنا الداخلية أو التزود بمعلومات جديدة لنتمكن من تطبيقها عندما يحين وقتها ونحتاجها.

- ستجدين بعض الفيديوهات والكتب التي تتحدث عن لغة الجسد، وستكتشفين كيف للتدريب الذاتي على هذا الموضوع الدور الأهم في تعزيز ثقة الإنسان بنفسه، لذا ابحثي عن مهارات الإلقاء ومهارات تأكيد الذات, وأيضاً التدريب على المظاهر الجسدية للثقة بالنفس (نبرة الصوت, سرعة الكلام, طريقة الجلوس, طريقة النظر إلى عيون الآخر, تركيز الشخص على مضمون الكلام وليس نظرة الآخرين لكلامه)، ثم قومي بتطبيق ذلك مع نفسك أمام المرآة، وأيضا تصوير نفسك وأنت تتحدثين مع نفسك أمام المرآة متخيلة أمامك عدد من الناس، ومن ثم مشاهدتك لفيديوهاتك مع إرفاق ذلك بأفكار ايجابية تقولينها لنفسك.

- احرصي على تعريض نفسك لتجارب حياتية جديدة تعزز من ثقتك بنفسك, والأهم أن يكون هذا التعرّض الاجتماعي تدريجيا (من حيث عدد الناس ومدة التعرض, وأن يتم التعرض لمجموعة من الأفراد لا يعرفونك ولا تعرفيهم لكي لا يكون لديهم حكم مسبق عليك، ولكي لا يرتبط لديك ذهنياً بين تلك المجموعة من الناس وقدرتك على ممارسة ما تتعلمينه وتدربين نفسك عليه), مع مراقبة أفكارك الداخلية بأن تكون ايجابية عن نفسك، وهذا التعرض التدريجي المستمر سيعزز مع الوقت من ثقتك بنفسك بشكل كبير في الأوساط الاجتماعية.

ختاماً: أتمنى أن أكون قد أفدتُكِ بإجابتي, ولا تترددي في معاودة مراسلتنا مجدداً في أي وقت تريدين.

دمْتِ بحفظ الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً