الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابتعدت عن الشاب الذي أحببته ظلما، فهل يجوز لي الدعاء عليه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة من عائلة ملتزمة، ونعيش في أوروبا، وأنا معروفة بأخلاقي وديني في بلدي ومجتمعي الأصلي وفي البلد المقيمة فيه ولله الحمد، وأنا أخاف الله كثيراً، وأفكر دوماً في أهلي؛ لأنهم قد وهبوني ثقة عمياء لا يمكن لأي فتاة أن تحظى بها، ودائماً أردد أنني سأكون كفئاً لثقتهم بمعية الله.

رغم أنني أعيش في بلد الفسق اللا متناهي أبعدنا الله وجميع المسلمين عن الفسق والفجور وكان أكثر الفتيات لديهن علاقات لا حدود لها، ولكن رغم ذلك كان نظري فقط لمن خلقني وأهلي بفضل من الله، وكان لا أحد يستطيع الوصول إلي، ومن كانوا يحاولون الوصول إلي هم في بلدي وليسوا في البلد المقيمة فيها، وكانوا كلهم من أقاربي.

كنت من الفتيات اللواتي صعب الوصول إليهن، وكنت أرفض ذلك بعون من الله، ولكن في يوم من الأيام قد حاول أحد الشباب الوصول إلي وهو من أقاربي، ومعروف بالأخلاق والدين والسمعة الطيبة، وكنت أظن أن حوارنا سيكون عادياً، وقد تكلمنا قليلاً عن أحوالنا فقط، ولكن بعد فترة قد قال لي: إنني في قلبه منذ خمس سنوات، ولكن لم يكن يستطع الوصول إلي، وبعد فترة قد وعدني أنه سيطرق باب أهلي بيوم من الأيام، وأنا وعدته بالانتظار دون أن نتكلم بشيء عن الحب، أو سخافات هذه الأيام والشهوات -ولله الحمد-.

بعد أن وعدنا بعضنا طلبت منه أن ننهي الكلام ابتغاء مرضاة الله وثم ثقة أهلي بي، ففرح بكلامي جداً، وقال لي: وعداً مني سآتي ولكن انتظريني، انتظرته لمدة عام، وقلبي تعلق به بشدة، وأصبحت حياتي تمر على أمل أن نكون لبعضنا يوماً ما، وقد تعاهدنا على التقرب من الله، وكنا نتكلم مع بعضنا كل مدة طويلة، ولكن نتكلم فقط عن أحوالنا.

بعد عام قال لي: أن أباه يريد أن يزوجه بابنة عمه على حسب العادات والتقاليد، وهو رفض، ولكن أباه أصرّ على ذلك، ولكن الشاب لم يخضع لكلام والده، وقال لي: انتظريني، وبعد فترة تكلم الشاب معي، وقال أن والده قد قال له أنني على علاقة مع عدة شباب، ولذلك يجب أن يتزوج ابنة عمه ويبتعد عني، ولكن رغم ذلك الشاب قال: إنه يعلم من أنا، وأن أباه يتكلم هكذا لكي يبعده عني، ولن يتزوج إلا بي، ولكن هنا قال الأب له: أنك ستتزوج ابنة عمك رغما عنك وإلا فأنا غاضبٌ عليك وأتبرأ منك، هنا لم يكن للشاب سوى أن وافق مرغماً ولكنه يكرهها، هل ما فعلوه بي يعد ظلماً، وهل دعائي عليهم يكون حلالاً؟

رغم أن الأب ظلمني لكي يقنع ابنه بالابتعاد عني، وعندما لم يستطع أجبره بقساوته، وأنا مكسورة جداً، وأحبه بجنون، وإلى الآن أنام وأستيقظ ويدي على قلبي، وأصبحت أكره النوم: لأنه كل يوم يزورني في أحلامي، ودوماً أصلي وأدعو من الله أن يبعده عن قلبي، ولكن أصبح ألم قلبي يأكلني من الخارج وأصبحت أتغير.

هو يحبني أيضاً، ولكن غضب والده قد هز كيانه رغم أن والده كان يريد أن يتم زواج الشاب من ابنة عمه فقط من أجل العادات والتقاليد، ولكن الآن أصبح هذا الزواج مسألة عناد بالنسبة للوالد؛ لأنه قد اعتاد على خضوع الجميع لكلامه، وكان جميع من حوله يهابه ويهاب التحدث معه، الشاب كان غامضاً جدا في آخر مرة تكلمنا فيها، وفي الوقت ذاته نادم جداً على تركي، رغم أن الشاب قد رحل عني منذ أكثر من شهر ولكن إلى الآن وأنا أنتظره وموقنة أنه سيعود، وخاصة أنه لن يتم الزواج الآن، ولكن سيتم ذلك بعد عام إذا يسر الله لهم.

الحمد لله على القضاء والقدر، وعلى كل شيء، ولكن هذا الداء أكل روحي وقلبي، وأصبح يغير بي كل شيء، حتى أن العالم أصبحوا يلاحظون تغيري وقد اعتادوا دائماً أن يروني في قمة السعادة والأمل وحب الحياة، والآن السواد تحت عيوني قد غير ملامحي، وأصبحت عيناي ذابلة على الدوام، وداء قلبي يحرقني حرقاً.

أعتذر عن الإطالة وجزاكم الله خيراُ.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الموقنة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العفيفة الخيّرة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والحرص على التواصل والسؤال، ونسأل الله أن يملأ قلبك وقلوبنا بحب الله سبحانه وتعالى، لأن الحب الصحيح هو الذي يتفرَّع عن حب الإنسان لربِّه تبارك وتعالى، فيُحبّ في إطار ووفق القواعد التي يُحبُّها الله ويُريدُها الإسلام، ونسأل الله أن يُعمِّر قلوبنا بحبِّ الله وحب رسوله وحب ما يُحبُّه الله ورسوله من الأقوال والأعمال والأحوال.

نحن نكرر لك الشكر على حُسن العرض لهذه الاستشارة، ونؤكد أن صاحبة الإيمان وصاحبة العفاف ستعودُ بإذن الله تبارك وتعالى إلى وضعها الطبيعي، وأرجو أن تأخذ الأمور حجمها، ومن المهم الابتعاد عن الشاب المذكور حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

نحن نؤكد أن الأمر ليس سهلاً، لكن الأصعب منه هو التمادي في هذه العلاقة، فأرجو إيقاف كل شيء حتى يأتي إلى داركم من الباب طالبًا، ولا ننصحك بانتظار الشاب المذكور إذا جاء الصَّالح الطِّيب صاحب الأخلاق والدين، فلا تترددي في القبول به.

ما حصل من الشاب قد لا يكون له ذنب فيه، ولكن نحن ننصحك بأن لا تنتظري السراب، وألَّا تنتظري رجلاً أيضًا ربما لا يملك قراره، ونسأل الله أن يُعينك على الخروج ممَّا أنت فيه.

ممَّا يُعينك على الخروج ممَّا أنت فيه الاشتغال بطاعة الله، والاهتمام بدراستك أو بالهوايات النافعة المفيدة، الرضا بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، وأن كل ما يُقدّره الله لنا وما يختاره لنا هو الخير، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، فاليقين والثقة في الله تعالى والرضا بما يُقدّره هو باب السعادة الأعظم.

لذلك نتمنَّى طي هذه الصفحات، إذا كان الشاب قد ابتعد عنك فابتعدي عنه، واتركيه في حياته الجديدة، يعني: أبدًا لا تتدخلي ولا تُؤثِّري على هذا الخيار الذي اختاره، حتى يأتي هو أو غيره عن قناعة، ولا تقبلي إلَّا بصاحب الدِّين، واستمري على ما كنت عليه من بُعدٍ، ومن حرصٍ على ألَّا يصل إليك أي شاب – مهما كان من الأخيار الأتقياء – إلَّا عن طريق أوليائك.

نحن ننصحك وننصح كل فتاة حتى إذا جاءها صاحب الدِّين ينبغي أن تدلُّه على خالها وعمِّها وإخوانها ووالدها – يعني المحارم – حتى يأتي البيوت من أبوابها، والمحارم سيطالبونه أن يأتي بأهله، ولذلك لو طبَّقتم هذا لما دخلتم في هذا الحرج، أن الشاب عندما يقول (أريد فلانة) فلانة تقول: (خالي فلان وعمي فلان)، فإذا أخبرهم بعد ذلك قالوا (مرحبًا بك، ولكن حتى نتعرَّف عليك أن تأتي بأهلك، بأعمامك، بكذا) عندها إمَّا أن ينجح الشاب في أن يأتي بأهله أو يفشل لأنهم لا يوافقوا، ودائمًا نحن لا نقبل الشاب الذي يأتي وحده، لأن الزواج ليس علاقة بين شاب وفتاة فقط، ولكنّه علاقة بين أسرتين، وبين بيتين، وبين قبيلتين، فهي علاقة كبيرة، ويكون هاهنا أعمام وعمَّات، وهاهنا في الطرف الثاني أخوالٌ وخالات.

لذلك أرجو أن يكون في الذي حصل درس بالنسبة لك، فإذا أراد هذا الشاب أن يعود أو جاء شابًّا أحسن منه خُلقًا ودينًا ومن الأفاضل وشعرت أنك يمكن أن تقبلي به، اطلبي منه أولاً أن يطرق باب أهله، ليأتي البيوت من أبوابها، فإن هذا يرفع من ثقتك عند الشاب وعند أهلك، ويجلب لك رضا الله، وفيه الأمان، لأن الأهل سيُطالبوه أن يأتي بأهله ليحصل التعارف ثم التآلف.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر ذات الخِمار

    ربنا يسترها علينا جميعا

  • المغرب أحلام

    شكرا على السؤال الموجه و الموقع الرائع

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً