الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طرأت على فكري شبهة الشك في ملك اليمين

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

قرأت مؤخراً العديد من المقالات حول موضوع ملك اليمين في الإسلام، الشيء الذي أدى بي إلى إعادة التفكير في معتقداتي.

كما أن نظرتي للإسلام تغيرت ولم أستطع تقبل فكرة ملك اليمين، أنا حالياً أحس بالضياع، وحاولت مراراً وتكراراً البحث في هذا الموضوع لعل وعسى أن أجد جواباً يقنعني، ولم أجد.

أرجو المساعدة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ kenzo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك في الشبكة الإسلامية، ورداً على استشارتك أقول:

فإن ملك اليمين كان متعارفاً عليه قبل الإسلام لدى اليهود والنصارى والمشركين من الوثنيين، وكانوا يغيرون على القرى والمدن من أجل الاستيلاء على الأموال والنساء والذرية، فتصبح المرأة ملك يمين، والأبناء والرجال عبيداً يستخدمون في أقسى الأعمال، وما كانوا يحررون أحداً أبداً، بل كانوا يبيعونهم في الأسواق بيعاً مهيناً، وكانت الإماء والعبيد تشترى في أسواق النخاسة، ولم يحدث أن المسلمين عملوا ما عمل اليهود والنصارى، ولم يغيروا عنوة على القرى والمدن من أجل الاسترقاق، بل كانوا يمرون بمراحل، أولاً الدعوة إلى الدين الإسلامي، فإن حصل ذلك سلم الناس وأموالهم وأهلوهم، وصار لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فإن أبوا فعليهم ألا يقفوا في وجه الإسلام، وعليهم أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويصير لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.

إن أبوا ففي هذه الحال لا بد أن يقاتلوا، كونهم وقفوا محاربين لدين الله تعالى، وهذه المعاملة هي أرقى معاملة عرفها التاريخ، لأن الملل السابقة لم يكونوا يخيرون بين هذه الثلاثة الأشياء، وكون المسلمين كانوا يسبون النساء إنما هو جزاء عادل للمحاربين، وإنقاذ للنساء مما هن عليه، فلربما أسلمت المرأة فأنقذت نفسها من النار، وإن صارت ملكاً ليمين سيدها فتحصل على حقوق قريبة من حقوق الحرة، مقابل ما عليها من واجبات، وإن حملت صارت أم ولد وتصير حرة بموت سيدها، ولا يجوز بيعها بعد أن تولد، ولا ينبغي التفريق بينها وبين ابنها، وهذا لم يكن معروفاً في الملل السابقة، بل كانوا يفرقونها عن ابنها فيبيعون الولد أو الأم.

علماً أن الإسلام شرع وحث على تحرير العبيد بطرق كثيرة، منها بسبب قتل الخطأ، ومنها بسبب الظهار، ومنها بسبب الجماع في نهار رمضان، ومنها كفارة اليمين، ورغب في العتق ابتغاء وجه الله تعالى، وما كان حاصلاً في الصدر الأول من الإسلام كان نتيجة حتمية، وعقابية على المحاربين له وإنزال النكاية بهم، ولم يعد هذا الأمر موجوداً إلا في بلدان قليلة وبشكل محدود للغاية، وما حصل بك إنما هو بسبب استشرافك للفتن واستساغة الشبهات دون أن يكون عندك علم شرعي وحجج وبراهين تقيك من شر الفتن، من أجل هذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاستشراف للفتن، فقال:( سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِم، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ).

على المسلم أن يرضى بأحكام الله تعالى، وهذا مقتضى الإيمان كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)، فملك اليمين مما حكم الله تعالى به في كتابه الكريم، وبين ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام في صحيح سنته.

عليك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، الذي يورد عليك مثل هذه الأفكار، ويجعلك تائهةً، وعليك أن تكثري من الاستغفار ومن قراءة القرآن، واحذري من ترك الصلاة، ونوصيك أن تكثري من التضرع بين يدي الله تعالى، وأنت ساجدة لله، وتسألي الله تعالى أن يهدي قلبك وأن يثبت قلبك وأكثري من دعاء: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك).

عليك بمصاحبة الخيرات، وترك المنحرفات المتشبعات بالشبه التي يبثها أعداء الله تعالى، ونوصيك بقراءة كتاب شبهات حول الإسلام، للشيخ محمد قطب ففيه الرد على الكثير من شبه أعداء الدين.

هل سألت نفسك لماذا تأثرت بهذه الشبهة حول دينك، ولم تنظري إلى انحراف دين اليهود والنصارى، كيف يمتهنون المرأة ويحتقرونها، سواء ما كان منهم في القديم والحديث.

عليك بالعلم الشرعي الذي به ستتعرفين على الحجج التي يرد بها على شبه الأعداء، والذي به سيتقوى إيمانك.

نوصيك بالاجتهاد بتقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يذهب عنك هذه الشبهة وأن يقذف في قلبك الإيمان ويثبتك على الحق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات