الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي تكرهني وتدعو علي بالشرور والموت، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة أمي تكرهني وتدعو علي بالشرور، والموت، واستجاب الله دعاءها، وأنا الآن وضعي سيء، ما نصيحتكم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً ومرحباً بك.

غاليتي ريمان: بما أنّ الحياة قصيرة واصحابها راحلون وخيركم من عامل أهله بالحسنى، وصحيح أننا قد لا نجد العلاقة بين الأم وابنتها دائماً على ما يرام، ولكن علينا أنّ لا ننسى أن هذه الأم هي التي حملت وربت، وأرضعت وسهرت وضحت من أجلنا ... لذلك لا تجعلي وساوس الشيطان تحرمك من رضا وعطف أمك وتبعدك عنها، ولا تستسلمي لفكرة أنها تكرهك وهي سبب ما أنت عليه اليوم من مرض وألم؛ وتأكدي أنها أكثر البشر خوفًا عليك وحبًا لك.

والابتلاء بهذه المعاملة من قبل والدتك ليس هينًا، لكن الأجر عظيم، وعليك أن تعذري أمك؛ فربما هي تتعرض لضغوط معينة فتسقطها على من تحب، وربما لا تعرف كيف تتعامل في هذه المواقف أو عاشت في بيئة ترى دعوة الأم على الأبناء (بالسوء) وسيلة لتعبر عن غضبها الشديد ... وهذا منتشر في الكثير من البيوت الإسلامية، وهذا أمر غير مقبول، وغير جائز شرعاً أبدًا، فلا بد لنا أن نفترض كل شيء حتى نعالج المشكلة.

أنت فتاة متعلمة، كما أنك مثقفة ومدركة وواعية، وكل ما عليك هو أن تميزي أمك عند حديثك معها بالمزيد من الاحترام، ومهما اختلفتما في وجهات النظر؛ فلا ترفعي صوتك عليها، وتذكري قول الله جل وعلا: "وقل لهما قولاً كريما"، فاحترام الوالدين من البر، وتذكري قوله تعالى: "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما"، والأهل في العادة لا يكرهون أولادهم؛ هذا مما زرعه الرحمن في قلوبهم، والله عز وجل أوصى الأبناء وحثهم على البر بوالديهم وليس العكس؛ وهذا لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

والشرع يقول: دعاء الأم على ابنتها لا يجوز أصلا، وما صدر من دعاء من والدتك عليك بالمكروه والمرض، فلا تحملي له همًّا كبيرًا، فإن الله تعالى لا يستجيب لنا الدعاء على أنفسنا بالشر وقت الغضب، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن هذا من كرمه وفضله فقال سبحانه: {ولو يُعجّل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} لكنه سبحانه وتعالى لا يستجيب دعاءنا على أنفسنا بالشر رحمة منه سبحانه وتعالى، ومن هنا ينبغي للإنسان أن يتجنب الدعاء على نفسه، وعلى أولاده وعلى أمواله، فلا يوافق ساعة يستجيب الله عز وجل فيه الدعاء فيستجيب له، فلا تحملي همًّا لما مضى وبادري بالتوبة والاستغفار والعفو والمسامحة من الوالدة.

ولا أظنّ أنّ هناك صعوبة في معرفة الأشياء التي تجلب غضب الوالدة، فأرجو أن تبتعدي عن كل ما يُثيرها ويغضبها. لا تضخمي المشاكل التي تحصل بينك وبين والدتك، الاختلاف بوجهات النظر بين الأم والأبناء أمر طبيعي، وكل ما عليك أن تتنازلي قليلاً، وأن تحترمي ما تقوله أمك.

وما المانع من أنّ تجلسي مع والدتك جلسة مصارحة، وابدئي بالكلمة الطيبة وبالعبارات التي ترضيها عنك، وأخبريها أنك بحاجة إلى رضاها ودعائها وأنك مريضة، واطلبي منها أن تسامحك على ما صدر منك وقومي بتقبيل يدها ورأسها، واحرصي أن تكوني بين يديها حين تكون في حاجتك.

وأخيراً أحيلك إلى التمعن في حديث معاوية السلمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، وذكر الحديث إلى أن قال: "أحيةٌ أمك؟"، قال: نعم، قال: "الزم رجلها، فثم الجنة". رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه. ولعل المراد - والله أعلم - تقبيل رجلها.

أسأل الله أنّ يرزقك رضا الوالدة، وأن يفرج همك ويُفرح قلبك

يمكنك معاودة التواصل معنا إن احتجت لذلك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً