الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أعف نفسي بالزواج وأحافظ على ديني، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالبة علم، عمري 17 سنة، أريد أن أتزوج لأسباب عديدة ومنها: أن أعف نفسي، وأكمل ديني، وأجد من يعينني ويعلمني ويربيني جيدا على منهج الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأقصد هنا زوجي، فأهلي -هداهم الله- لم أتعلم منهم أي شيء عن ديني تقريبا، للأسف الشديد حتى الصلاة تعلمتها لوحدي.

عندما كنت صغيرة -ولله الحمد- وهذا بفضل الله وحده وتوفيقه والسبب الرئيسي وراء هذه الرغبة بالطبع هو أن الاسلام رغب في الزواج، أعلم جيدا أنني جاهلة، ولكن لدي استعداد للتعلم وتحمل المسؤولية -بتوفيق الله وحده-، المشكلة هي أن أهلي يرتكبون المعاصي ومنها الكبيرة -ولله الحمد- على كل شيء وأنا عرفت ذلك بالصدفة، ولقد قرأت كيف أتعامل مع هذه المواقف مستعينة بالله -عزوجل-.

المشكلة هي: مثلا إذا تقدم لي شاب على خلق ودين فماذا أفعل؟ فهو عندما يتعامل مع أهلي سيرى الظاهر، فقط كما الكل يرى وهو أنهم جيدون وعلى خلق، ولكن الباطن والذي أعرفه أنا أنهم سيؤون من جهة الدين والخلق، أنا أخاف على أولادي في المستقبل أن يعرفوا تلك الصفات السيئة عن أهلي ويتعلموها، وكذلك زوجي بالطبع، فإذا لم أخبره سيحزن مني وسيشكك بي.

قرأت في موقعكم هنا أنه من الأفضل ألا تعرض البنت نفسها للزواج على الرجل؛ لأن من الأفضل أن تكون مطلوبة عزيزة لا طالبة ذليلة، أريد أن أفهم، فأنا قرأت أن في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حدث مثل ذلك الكثير، فمثلا هذا الحديث: (عن علي بن عبد الله، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز بن مهران، قال سمعت ثابتا البناني قال: كنت عند أنس وعنده ابنة له، قال أنس جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس ما أقل حياءها وا سوأتاه وا سوأتاه قال هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها) رواه البخاري.

أين المشكلة؟ فهذا مشروع في ديننا، وكما هو موضح في الحديث هذا ليس بعيب فلقد قال هي خير منك .

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مممم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
إن من فضل الله عليك أن هداك للاستقامة على دينة، وأنقذك من بيئة أسرتك، فهذا يعد اصطفاء من الله لك من بين هذه الأسرة عليك القيام بشكرها والثبات على دين الله تعالى، والاستمرار في طلب العلم الشرعي بالطرق المشروعة، ولا تستقلي بنفسك؛ لأن العلم الشرعي يحتاج لشيخ يبسطه لك ويدلك على الفهم الصحيح.

نوصيك من باب البر بأسرتك أن تنصحيهم برفق وحكمة؛ كي يؤدوا ما فرض الله عليهم، فإنهم إن أقاموا الصلاة هان ما بعدها، وابدئي بمن هم أقرب إليك، وسترين أنهم سيتقبلون، ولا تيأسي إن لم يتقبلوا، بل عاودي عليهم بعد فترة، واستغلي الأحداث كحصول موت، أو مرض شديد سواء في أوساط الأقارب أو الجيران، وذكريهم بالله تعالى، وبأن الموت يأتي فجأة، ولو قدرت على أخذهم إلى المقابر فذلك حسن، لقوله عليه الصلاة والسلام: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها فإنها تذكركم الآخرة.

لا بد أن تتعرفي على صفة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خلال قراءة كتاب صفة صلاة رسول الله للعلامة الألباني رحمه الله تعالى؛ وذلك من أجل أن تكون صلاتك خالية من الأخطاء.

لو تقدم لك شاب فلا داعي أن تخبريه بحال أسرتك؛ لأنه سيقوم بنفسه بالبحث عنهم والتعرف على سيرتهم، بل وسيسأل عنك وعن أخلاقك وغير ذلك، حتى لو اكتشف شيئا فذلك تقصير منه، والأصل في الناس الظاهر، أما الباطن فإلى الله تعالى.

زوجك لن يلتفت لهم، فالذي يهمه هو استقامتك أنت وقناعته بالصفات التي تحملينها، ولا أنصحك أن تذكري أسرتك إلا بكل خير. ما من أحد من الناس إلا وله سلبيات وإيجابيات، ولا علاقة للآخرين بسلبياته، ولا يصلح أن يعير الشخص بعيوب غيره فذلك من الظلم.

الأبناء يحتاجون إلى التربية الحسنة التي تجعلهم يفرقون بين سلوكيات والديهم وبقية أفراد الأسرة من جهة الأب أو الأم، فكل امرئ بما كسب رهين، وكل نفس بما كسبت رهينة، ويجب أن يتربوا على هذا الأساس.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، مع الاستمرار في دعوة ونصح الوالدين وبقية أفراد أسرتك فلعل الله أن يهديهم على يديك وتنالين أجرهم، فلأن يهدي الله شخصا واحدا خير لك من حمر النعم، وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

نوصيك أن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

لا يصلح أن تعرضي نفسك على شاب للزواج؛ لأن في ذلك إذلالا لنفسك، وما ذكرته عن تلك المرأة التي عرضت نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو أمر خاص به صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن غير تلك المرأة أنها عرضت نفسها على أحد من الصحابة، ولو حصل لنقل إلينا بدليل قول تلك المرأة ما أقل حياءها وا سوأتاه يعني أنه لم يكن ذلك معروفا في أوساط النساء، لكن يمكن أن تتحدث الفتاة مع زميلاتها من أجل أن يبحثن لها عن شاب صاحب دين وخلق، فكثر من الشباب يطلبون من أخواتهم أن يبحثن لهن عن زوجة صالحة، فهذا لا بأس به -إن شاء الله تعالى-.

من الأمور الخاطئة ما تقوم به بعض الفتيات من بناء علاقات من شباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي فهذه الطريقة ليست مشروعة بل هي محرمة، وعواقبها وخيمة فكثير من الرجال في الطرف الآخر من الشبكة إنما هم من الذئاب البشرية، الذين ينصبون الشباك للفتيات حتى إذا وقعت إحداهن في تلك الشباك استدرجوها فنهشوا عرضها، وتركوها تصطلي بنار العار بعد أن كانوا يمنونها بالزواج منها، فاحذري من هذه الطريقة.

الزواج رزق من الله يسير وفق قضاء الله وقدره ولا يستطيع أحد أن يتحكم في ذلك، فعليك أن تطمئني فمتى جاء الوقت الذي قدره الله لزواجك سيأتيك رزقك بإذن الله تعالى، وعليك أن تحرصي على توفر شروط شريك الحياة وأهم ذلك الدين والخلق، ولا تهملي صلاة الاستخارة فإن من وكل أمره لله ليختار له الأصلح فلن يخيب الله ظنه، فاختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يعطيك من الخير ما تتمنين، وأن يدفع عنك كل مكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً