الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت عاطلا عن العمل والزواج، ولا أعلم السبب.

السؤال

منذ أكثر من ثلاث سنوات وأنا لا أقدر على الزواج، وأصبحت عاطلا عن العمل، علماً بأن العمل كان خاصاً، ولا أعلم هل السبب هو العين أو سحر أو مس أو الثلاثة معاً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أخي الكريم وردًا على استشارتك أقول:
فإن الأرزاق بيد الله تعالى، وهو مقسمها بموجب حكمته، وعدله ورحمته، فهو سبحانه يغني البعض حتى لا يكفروا، ويفقر البعض حتى لا يبغوا، ويجعل ما بين هذا وذاك، فهو سبحانه يعلم ما يصلح عباده.

الرزق قسم على الناس، وهم في عالم الذر، وحين يأتي الملك إلى الجنين في بطن أمه يقول: (يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة، فإذا بالمئة وعشرين يوما يؤمر الملك، بأن ينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد) كما ورد في الحديث الصحيح المشهور.

تفسير كل أمر يحدث بالسحر والعين وغيره تسطيح للقضية، وهروب من الواقع، صحيح أننا نؤمن بحدوث السحر والعين والمس، ولكن ليس كل أمر يكون من وراء ذلك، فهذه الأمور غيبية، ولا يجزم بها إلا بدليل قطعي.

لا تربط نفسك في الوظائف، فباب الرزق واسع جداً فلا تضيق على نفسك، فكم من عمل حر أصبح العامل فيه من كبار التجار، وكم من موظف في وظيفة رسمية يشتكي من الفقر والحاجة فمن رحمة الله بعباده أنه لم يضيق عليهم، وأمرهم بالسعي في مناكب الأرض، وتكفل لكل مخلوق برزقه فانظر إلى الطيور، كيف أنها لم تجلس في أوكارها تنتظر ما يأتيها، بل عملت بالأسباب، فتخرج في الصباح الباكر لطلب الرزق، وهي جائعة، وترجع إلى أوكارها، وقد شبعت يقول عليه الصلاة والسلام: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا).

ينبغي ألا نغفل أن ثمة أمور تحصل منا، فتكون سببًا لمنع الرزق، وتصير الحياة ضنكًا، ومنها البعد عن الله سبحانه، وتعالى قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ )، فانظر كيف ربط الله بين الإعراض عن ذكره، والعيشة الضنكة، وعكس ذلك أن من أطاع الله تعالى صارت حياته طيبة.

ومن ذلك الذنوب والمعاصي، وما منا من أحد إلا وله ذنوب وربما نمارسها ليلاً ونهارًا، ونحتقر تلك الذنوب، ولا ندري أن لها آثاراً سيئة فالذنوب والمعاصي تمنع العبد من الرزق يقول عليه الصلاة والسلام: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).

هنالك أسباب لجلب الرزق بينها الله تعالى في كتابه ووضحها نبينا عليه الصلاة والسلام في سنته فمنها:
- تقوى الله: يقول سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
ويقول: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).

- كثرة الاستغفار: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).

- المحافظة على أداء الصلاة في جماعة: قال العلامة ابن القيم: (الصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب مبيضة للوجه مفرحة للنفس مذهبة للكسل).

- صلة الأرحام: فهو من أهم أسباب زيادة الرزق والبركة في المال، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه).

- الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فقد قال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ)، ومن الهموم هم الرزق.

شكر الله تعالى على سبيل الدوام: فالشكر الدائم يزيد الأرزاق، ويفتح الأبواب المغلقة لقوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

- الهجرة من أجل طلب الرزق: فمن الناس من خرج من بلده بعد ضيق في العيش ففتح الله عليه أبواب الرزق يقول تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ)، وإن كان من أهل التفسير من قال إن المقصود بالهجرة هنا الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام لكن العبرة بعموم لفظ الآية.

- السعي في مناكب الأرض وعدم البقاء في نفس المنطقة قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

- إشغال النفس بالذكر والاستغفار والدعاء، والإكثار من دعوة يونس عليه وعلى نبيِّنا السلام حين قال: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فهي مِن أعظم ما قيل في ذَهاب الهمِّ، فالله قال في الآية التي تعقبها: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].
ويقول عليه الصلاة والسلام: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

- الاستقامة على دين الله تعالى من الأسباب العظيمة لجلب الرزق يقول تعالى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا).

- لا بأس من أن ترقي نفسك صباحا ومساء بما تيسر من الآيات القرآنية والأدعية المأثورة فالرقية نافعة مما نزل ومما لم ينزل كما ورد في الحديث.

- اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح؛ فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

- الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك الرزق الواسع، وأن يغير أحوالنا إلى الأفضل إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً