الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف على أسرتي من الموت، ساعدوني.

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالبة وبعمر 17 سنة، أتردد دائماً في سؤالكم، لكن أحس أن وضعي ازداد عن حده، لهذا أريد مساعدتكم.

أنا أعاني من الوسواس القهري والترقب والخوف من المستقبل والشك والقلق الشديد يومياً، أخاف من أن أفقد والدي أو والدتي أو أن يصيبهما مكروه، أخاف دائما من الموت، ومن المرض، ومن الكوارث الطبيعية كالزلازل أو الفياضانات.

باختصار أرى أن الشيء الذي أخاف منه في الحقيقة هو الفناء أو الضياع في هذا العالم، حيث إني لا أستطيع حتى أن أتخيل العيش دون عائلتي، أو بالأحرى والدي، وبما أن والديّ كليهما يشتغلان، وأخوتي يدرسون، فإني في كل لحظة سواء كنت في البيت أو في المدرسة أو في مكان آخر، أكون قلقة ومتوترة وأخشى أن يصيبهم مكروه.

هذا الأمر أصبح يضايقني جداً ويعكر حياتي، مع العلم أني أصلي وأقرأ القرآن، وأعمل جاهدة على تأدية صلاة الفجر في وقتها، وأؤمن بالقضاء والقدر، إلا أن هذه الوساوس دائما ما تقتحم ذهني وتربط لي الأحداث مع بعضها، وتنسج لي حدثا يؤرق مضجعي، ناهيك عن الكوابيس التي تنتابني كل ليلة.

أرجو منكم أن تساعدوني، وأن ترشدوني إلى علاج يخفف من وضعي.

شكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خولة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

أنت تتكلمين عن ظاهرة وليس عن مرض، فأنت لست مريضة، الذي لديك هو درجة من القلق الوسواسي المصحوب بالمخاوف، وهذا لم يصل لمرحلة المرض الحمد لله تعالى، القلق الذي لديك والوسوسة هي من النوع التوقعي، هكذا نسمّيها، والقلق طاقة نفسية جيدة، يُساعدنا كثيرًا في أن ننتج، يُحفّزنا نحو النجاح، والوسوسة أيضًا تعلِّمنا الانضباط في الحياة، والخوف يعلِّمنا أن نحمي أنفسنا، لكن قطعًا هذه الطاقات النفسية إذا زادت عن المعدل الطبيعي تُشكّل مشكلة بالنسبة لبعض الناس.

أنا أرى أن حالتك بسيطة جدًّا، وحقيقة هي مرتبطة بمرحلتك العمرية، حيث إن هذه المرحلة تكثر فيها المخاوف والقلق، خاصة الخوف من الموت، لأن موت الفجاءة كثُرَ جدًّا، موت الحوادث كثُر، الحروب وغيرها، حتى إن الإنسان -بكل أسف- في كثير من البلدان أصبح لا قيمة له.

اطمئني – أيتها الفاضلة الكريمة – نحن الحمد لله تعالى إسلامنا هو ذخيرتنا لأن نتعامل مع الموت والحياة بصورة إيجابية، نحن نؤمن وعلى قناعة تامة أن الإنسان أجله وقدره ويومه مكتوب ولا شك في ذلك، ولا يعلم ذلك إلَّا الله تعالى، وحين ينتهي نصيب الإنسان من الدنيا يأتيه الموت، ونحن نثق ونحسب و"نتعشم" أن ما عند الله دائمًا خيرٌ للعبد.

هذا لا يعني أبدًا أن نكون متشائمين أو متخوفين دائمًا حول الموت، لا، نتعامل مع الموت كمفهوم شرعي صحيح، ويكون خوفًا منها خوفًا محمودًا لا خوفًا مرضيًّا، الخوف المحمود من الموت يعلِّمُنا حقيقة أن نكون يقظين حول الحياة وحول الموت، أن نبعد عن المحرمات، أن نجتهد في الطاعات، وأن نعيش الحياة بقوة ومتعة، لأننا مكلّفون بعمارة هذه الأرض وهذه الدنيا، والذي لا يكدّ ويجتهد في حياته لا يفيد نفسه ولا يفيد مَن حوله، يعني: (اعمل لدنيا كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموتُ غدًا، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك، ومن فراغك لشغلك). فإذًا الأمر يجب أن يُفهم على هذه الكيفية.

الأمر الآخر هو: أن الله تعالى أيضًا أعطانا القدرة على التكيُّف مع ما هو جميل ومع ما هو محزن ومع ما هو سهل ومع ما هو صعب، الإنسان لديه القدرة على التكيف، وهذا من رحمة الله بنا.

الأمر الثالث: عليك بالدعاء، ما شاء الله أنت مُصلية، وقارئة للقرآن، فعليك أيضًا بالأذكار، أذكار الصباح والمساء، أذكار النوم، الدعاء لوالديك ولنفسك، هذه الأدعية أدعية عظيمة، وتجعل الإنسان -إن شاء الله- في أمان وطمأنينة.

أريدك أيضًا أن تمارسي رياضة، رياضة المشي ممتازة جدًّا، تحرق هذه الطاقات القلقية، وهذا الفكر القلقي السلبي يجب ألَّا تخوضي فيه، وقفي الفكرة من لحظتها، حين يأتيك شيء عن الموت أو الخوف على والديك قولي لنفسك: (هم الحمد لله في حفظ الله، أسأل الله أن يحفظهما، أسأل الله أن يُطيل في أعمارهما في عمل الصالحات، رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا، رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ...) وهكذا.

طبقي أيضًا تمارين الاسترخاء، هنالك تمارين ممتازة، تمارين التنفس المتدّرج، تمارين قبض العضلات وشدِّها ثم إرخائها تمارين ممتازة جدًّا، توجد برامج كثيرة جدًّا على اليوتيوب توضح كيفية هذه التمارين.

اجتهدي في دراستك، احرصي على أداء ما عليك من واجبات، ومشاركة الأهل (الوالدة) في أعمال البيت، ولا تجعلي كل شيء عليها، وكوني بارَّة بها وبوالدك، وأشغلي نفسك فيما هو مفيد في دين أو دنيا، ورفهي عن نفسك بما هو طيب وجميل، وتواصلي مع صديقاتك، واستمتعي بحياتك، واستعيني بالله تعالى في كل شيء، ولا تعجزي، واصبري على ما أصابك، فإن ذلك من عزم الأمور.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً