الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالبعد عن الله، ما الحل وما النصيحة؟

السؤال

أنا فتاة كنت بعيدة عن الله، ثم هداني هداية لم أكن أتوقعها في حياتي، فأصبحت أشعر بحلاوة الإيمان والقرب إلى الله، وكنت أشعر بحب الله في قلبي وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الله يحبني.

أما الآن فحياتي أصبحت جحيماً، وأشعر أن الله غاضب علي، ولا يحبني، أو ربما لا يقبلني، أو لا يريدني، إلى درجة أصبحت لا أشعر بالتوبة في قلبي، أريد أن أتوب إلى الله، ولكن هناك شيء يمنعني، وهو القنوط، لأني لا أشعر بذلك القرب إلى الله الذي يجعلني أحسن الظن، وحتى لو أسمع عن رحمة الله أصبح قلبي قاسيا لا يتأثر كثيراً، ولا أستشعر رحمة الله أنها يمكن أن تشملني إلا قليلاً فقط.

أشعر بيأس شديد أن أعود إلى ما كنت عليه، فقدت الأمل كله، حتى إني لم أعد أشعر بحب الرسول صلى الله عليه وسلم، في قلبي، وهذا يؤلمني، ويجعلني أشعر أني منافقة، أو ربما أصبحت غير مسلمة، فكيف بمسلم لا يشعر بحب الرسول صلى الله عليه وسلم؟! وحب الله مرات أشعر به ومرات لا.

لا أعلم ماذا أصنع؟ هل يجوز أو يعقل أن أدعو وأرجو من الله أن يجعلني أشعر بمحبته وأحب الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كنت من قبل؟

هل يعقل أن أدعو بهذا؟ وذلك بسبب أمور كثيرة، منها وسواس قهري جعلني لا أصلي لمدة يوم كامل، أو مرات أتأخر عن الصلاة، وأيضاً أصبحت أغضب على أمي ولا أتمالك نفسي، مع أني كنت أتوب كل مرة وأعزم على عدم العودة، وأحسن إليها ثم يحدث مشكل بيننا، وأعود وأتوب وأعود إلى أن يئست.

أمي تأمرني بأن أرتب فراش أخي وهو لا، لماذا البنات؟ وأنا كلما أشعر أني عدت إلى الله وأشعر بحبه في قلبي أرجع من جديد، فقنطت وأشعر أني كفرت بسبب الوسواس، كيف أعود إلى الله؟

انصحوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نسرين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختي الكريمة- في موقعنا، ونسأل الله أن يصلح حالك وأن يصرف عنك كيد الشيطان، والجواب على ما ذكرت:

ما حدث لك من شعور بأنك لا تحبين الله أو لا تحبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الله غاضب عليك، أو أنك منافقة، ونحو ذلك، كل هذا وسواس من الشيطان الرجيم، حتى يصرفك عن الطاعات ولذة العبادة، ولعلك أدركت ذلك عندما ذكرت عن نفسك أنه لديك وسواس.

للخلاص من الوسواس لا بد من وقفة جادة في معالجته، وذلك عبر الآتي:

كل ما يجري من تفكير أو تخيل وما تجدين من نفسك مما ذكرت، هذا سببه الوسواس، ومن مداخل الشيطان عليك، والله لا يؤاخذك به، وليس عليك فيها إثم ولا حرج، وليست من الذنوب التي يجب التوبة منها، لأنها أمور خارجة عن إرادتك.

الوسواس حقيقته خبل في العقل، ونقص في الدين، وعلاجه بتركه، ولتأخذي نفسك بالعزم والحزم، ولا تلتفتي إلى الوسواس وما يدعوك إليه، لأنه لو استجبت له في أمر من الأمور أكثر من مرة، فإنه يصبح لك عادة، ثم يترقى بك الشيطان إلى أمور أعظم منها، وهكذا حتى يشككك في دينك، والعياذ بالله.

يلزم كلما طرأ عليك الوسواس، أن تقولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واتركي التفكير فيه، ولا تلتفتي لما جاء فيه مطلقاً، ولا تعطي الأمر أي اهتمام، وكأن شيئاً لم يكن، فقد جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمن ابتلي بالوسواس، بأن يستعيذ بالله من شر الشيطان وأن ينتهي، أي يقطع التفكير فيه.

أكثري من ذكر الله، وقراءة القرآن والاستغفار، فإنك إذا فعلت هذا فإنه لا سبيل للشيطان عليك لأنه يخنس ويفر عندما تذكرين الله.

أكثري من الدعاء، فتسألين الله أن يصرف الله عنك شر الوسواس.

اجتهدي أن تلتحقي في حلقة تحفيظ القرآن الكريم، وحضور مجالس العلم؛ فالعلم الشرعي سبب لمعرفة الوسوسة وكيفية التعامل معها.

مما أنبه عليه أن بعض أمراض الوسواس سببه البعد عن الله، وهذا علاجه بالتوبة، وبعضه سببه مرض العين أو الحسد، وهذا علاجه بقراءة الرقية الشرعية من سورة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذات، ونحوها، وبعضه سببه مشاكل وضغوط نفسية، فتحتاج إلى الذهاب إلى طبيب مختص، وأن نتخلص من هذه الضغوط النفسية بالصبر والتحمل، والرضا بقضاء الله وقدره.

من جانب آخر أحب أن أنبه على أن الشعور بالقنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب، لأن الله رغب من عصاه بالتوبة إليه وأنه سيغفر ذنبه، ونهاه في المقابل عن القنوط واليأس من رحمة الله، فقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].، قال ابن سعدي - رحمه الله - "أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار".

عليك لزاماً في كل مرة تذنبين فيها سرعة التوبة إلى الله تعالى، وأن تحسني الظن بالله بأن يقبل توبتك ويغفر ذنبك، لأن الله قال في الحديث القدسي" أنا عند ظن عبدي بي فإن ظن خيراً فله، وإن ظن شراً فله "رواه البخاري وغيره، فإذا ظننت أن الله يقبل توبتك قبل الله يقبل توبتك ويغفر ذنبك.

بخصوص أنك أصبحت تعصين الوالدة، فالواجب عليك التوبة إلى الله والاعتذار من الوالدة، وإذا عدت إلى تكرار الخطأ فكرري التوبة والاعتذار وهكذا، و كون الوالدة تأمرك بشيء مقدور عليك فيجب عليك طاعتها، ولا بأس أن تقنعي الوالدة بلطف ولين بأن تكلف الأولاد بترتيب فرشهم، دون أن تظهري اعتراضاً على أوامر الوالدة.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً