الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالضياع وتميل نفسي للعزلة والانطواء

السؤال

السلام عليكم

أشعر بالضياع حقاً، أنا أعلم كل شيء يتعلق بالدين، وشغوفة به، لكن من الصعب علي تطبيقه كأن أمتنع عن رفقة الجنس الآخر، يشعرني بالوحدة الشديدة.

بالرغم من أن هذا يؤذيني، ومن الصعب علي أن أعتزل ما يؤذيني، يعني ما أعتزل ما يؤذيني إلا بعد فوات الأوان.

أعاني من صعوبة في اختيار القرار، برغم أني أعلم صحته إلا أني أخشى الوحدة والضياع، ماذا أفعل لأتمكن من عيش حياة طبيعية يرضاها الله ثم أرضاها؟ وكيف أبدأ؟ شكراً مع فائق احترامي وتقديري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sunshine حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك –عزيزتي- في الشبكة الإسلامية، ونشكر لك ثقتك الغالية في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن نكون عند حسن ظنك، وأن يلهمك الرشاد والسداد، ويجعلنا وإياك ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه.

عزيزتي: بداية اشكري الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة العظيمة التي أنعمها عليك، وهي معرفتك بشريعة دينك، وتمييز الحلال عن الحرام، وما يجب عما لا يجب، والحمد لله أنك شغوفة بدينك بأوامره ونواهيه، وهذا دليل أنك في أعماقك إنسانة متدينة فاضلة، تخشى الله وتحب دينها، وترفض ما حرم الله تعالى، وصاحبة نفس لوامة تعاتبها وتلومها على الخطأ والاختيار السيء، بدليل قولك (بالرغم أن هذا يؤذيني)، فأنت على يقين أن رفقة الجنس الآخر يؤذيك في دينك ودنياك ونفسك وكرامتك ومشاعرك كأنثى، ومع ذلك تصرين على الاستمرار فيما يؤذيك!

قولك في الاستشارة (شغوفة به) أي بدينك، بشارة خير أنك تقفين على أساس قوي من الحق والرشد، أساس يحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالعلم بالدين من ناحية أوامره ونواهيه تفقه ينعم الله تعالى به على من يحب من عباده، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، وقال تعالى الله في كتابه العزيز:" فاعلم أنه لا إله إلا الله"، قدم العلم على العمل، العلم بالشيء قبل القيام به حتى يكون العمل متقناً صحيحاً مقبولاً، وأنت علمت وفهمت وشغفت، وبقي عليك أن تعملي بما علمت، حتى يكون حجة لك وليس حجة عليك في الآخرة –عزيزتي-، زادك الله علماً وفهماً، وثبتك على الحق.

أما قولك (من الصعب علي تطبيقه): فهذا القول –عزيزتي- مردود على كل من يقوله، إن شرع الإسلام من أسهل وأمتع التشريعات، ليس فيه غلو ولا تطرف ولا تعنت، كل العبادات والمعاملات تقوم على القدرة، قال تعالى: " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"، وقال سبحانه: " فاتقوا الله ما استطعتم"، وهذا يجعلنا ويوجب علينا القيام بما فرض علينا، كل على حسب مقدرته، وواضح أنك تقومين بالعبادات لأنك لم تذكري شيئاً عكس ذلك، لكن جاءت الصعوبة بالنسبة لك في تطبيق ما يرفضه العرف والأخلاق قبل الدين، وفي باب النهي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه).

إن مرافقة ومصاحبة الجنس الآخر، أي علاقة وصداقة بين الرجل والمرأة،-الذكر والأنثى- في إطار غير شرعي مرفوض بكل المقاييس الأخلاقية والتربوية والنفسية، فإن تلك العلاقة لها أضرار كثيرة على الفتاة نفسها، وعلى أسرتها ومجتمعها.

أما من ناحية أضرار تلك العلاقات على الفتاة:
1- تؤدي إلى تشويه سمعتها، فتظهر أمام الناس بصورة فتاة مستهترة فاقدة للحياء، ولتعلمي أن الحياء خلق عظيم، يردع الفتاة عن فعل المنكر والحرام، فتستحي من الله أن تخالف أوامره، وتستحي من الناس أن تنعت بما لا يليق بالمسلمة، وتستحي من نفسها أن تنزلها إلى الانحطاط في علاقة محرمة، قال صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير"، وقال عليه الصلاة والسلام:" ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه"، فتحلي وتمسكي بالحياء، فإنه شعبة من الإيمان.

2- تتأخر الفتاة في الزواج –هذا إن تزوجت-، فلن يرضى أي رجل مسلم حر أن يتزوج بفتاة لها ماض مع الشباب.
3- تتعرض الفتاة للتضارب في مشاعرها، فلا تستطيع أن تميز الإعجاب عن الميل وغيره في علاقة الصداقة، بالإضافة إلى جهلها بمفهوم الصداقة حقيقة.

4- تعيش الفتاة مشاعر غير حقيقية، تتوهم الحب بعد فترة من تلك العلاقة، وإذا فشلت تلك العلاقة تصاب بخيبة أمل وحزن، فلماذا تجرين على نفسك ويلات أنت في غنى عنها.

5- الصداقة بين الجنسين سبب في المشاكل الزوجية في المستقبل، فكثير من الفتيات فشلت حياتهن الزوجية وتطلقن، أو عشن تجربة مريرة لأنهن يقارن بين الزوج والصديق في الماضي، ويجهلن أن العلاقات الافتراضية يقوم فيها كل الأطراف بتمثيل شخصيات مثالية لا تمت لحقيقتهم بشيء، ولتعلمي عزيزتي أن الرجال حولك يظهرون خير ما عندهم من أخلاق وصفات، ولكن لو تزوجت أي واحد منهم ستعرفين أن هناك جوانب لا تظهر ولا تتضح إلا بالعشرة، فلا تنخدعي بالكلمات المعسولة، والأدوار التي يقوم بها الشباب من شجاعة وشهامة، فلو تعرفت على عائلاتهم لظهرت لك حقيقتهم الفاضحة، فكم من عيب فيهم لا يخطر لك على بال، وكم من خيبات أصابت أسرهم بسببهم.

أما من ناحية أضرارها على الأسرة:
1- هذه العلاقات تؤثر على سمعة الأسر في المجتمع، فالفتاة التي تصادق الرجال ينظر لأسرتها بعدم الاحترام والتقدير، وهذا طبيعي، فالمسلم خاصة العربي لا يقبل أن تصادق ابنته أو أخته أو زوجته الرجال، فقبول هذه العلاقة انتقاص من رجولته ومروته، فكيف ترضين لأسرتك هذه النظرة الدونية؟
2- هذه العلاقات طعن في تربية الوالدين لابنتهما، فلولا تقصيرهما وعدم توجيههما لها، وتربيتها تربية إسلامية صحيحة لما توجهت لهذا الطريق المنحرف.

أنت –عزيزتي- ذكية وواعية وتعرفين جيداً أن العلاقات غير الشرعية بين الجنسين محرمة ومؤذية للفتاة، سواء في حياتها الدنيوية أو في حياتها الأخروية، ومع ذلك تخوضين في تلك التجربة السيئة، وتنجرفين وراء السراب، بدليل أنك تطلبين بقولك (كيف أبدأ؟!).

لذا أنصحك ببعض النصائح، وأرجو الله أن تأخذي بها وتطبقيها لعلها تساعدك في إنقاذ نفسك حتى يأتي الرجل الحقيقي ويدخل حياتك من الباب، وتربطك به أشرف علاقة وهي الزواج.

1- أكثري من ذكر الله واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم الذي يسعى ليدخلك دائرة الضياع، ويوهمك بالوحدة، فقاومي وسوسة الشيطان وشره بالاستعانة بذكر الله، والتوكل عليه، فإن ذكر الله تعالى يفرج الهموم، ويسعد القلوب، ومن كان الله معه لا يهتم إن فقد العالم.

2- اقتربي من الله سبحانه بالصلاة في أوقاتها، وبالإكثار من النوافل، وقراءة القرآن، والتحقي بدار تحفيظ، فتمضية الوقت في حفظ القرآن بركة وسعادة واطمئنان، ولن تشعري بعدها بالوحدة أبداً، إنما تجدين في صحبة القرآن اكتفاء عن الحلال غير النافع ناهيك عن الحرام.

3- ثقفي نفسك بكثرة الإطلاع والقراءة في جميع أنواع الكتب، مثل السيرة النبوية، وسيرة الصحابة والسلف الصالح، واقرئي في التفسير والفقه، وكتب التنمية، وتثقفي في مجالات الحياة المتنوعة.

4- ابحثي في ذاتك عن مهارات وهوايات تضيف إليك إضافات إيجابية، ومارسيها على أرض الواقع، سواء تعلم الطبخ أو الخياطة أو ما يتعلق بالكمبيوتر وبرامجه المتعددة.

5- أعدي نفسك ربة بيت وزوجة ماهرة وأم ناجحة وسيدة مجتمع راقية وواعية في المستقبل بتعلم المهارات المنزلية، والقراءة في كتب تربية الأبناء وكيفية إدارة الأسرة وأمورها، والحياة الزوجية، وهناك كتب رائعة في الثقافة الزوجية مثل: الزواج الإسلامي السعيد، تحفة العروس، موسوعة الزواج لابن عثيمين، وغيرها من الكتب.

6- اشغلي نفسك بكتابة أبحاث ومحاضرات دراسية، وأفكار جديدة، استعداداً للمستقبل الأكاديمي من ماجستير ودكتوراه في حال أن فكرتِ في إكمال الدراسة، أو مساعدة الدارسين.

7- ابحثي عن مشروع لحياتك، يشغلك عن توافه الأمور، ويخدم مجتمعك، ويدر عليك أموالاً، ويكون لك حماية من تقلبات الزمن –إن شاء الله تعالى-.

8- أخيراً حددي لنفسك وقتاً تهتمين فيه بجمالك ورشاقتك، فمارسي الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة، واهتمي بكل شيء فيك، فالله جميل يحب الجمال، فكوني جميلة العقل والقلب والنفس والشكل، ولا تشوهي كل ذلك الجمال بسواد العلاقات العابرة.

إن اتبعت هذه الإرشادات، فإنك لن تجدي وقتاً تفكرين في علاقات وقتية عابرة سلبية لن تجني منها سوى الحسرة والندامة وضياع الوقت والعمر والمستقبل، فمهما كانت قوية ستنتهي ولن تستفيدي منها شيئاً.

نرحب بتواصلك مع موقعنا ونعتذر عن تأخر الإجابة، ونسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق والنجاح، وأن يردك إليه رداً جميلاً، ويسعدك بزوج صالح وذرية طيبة، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً