الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يمكنني الإخلاص لأصدقائي، فما مشكلتي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

لدي مشكلة غريبة، أنا لست قادرة على الإخلاص للأصدقاء، وما أقصد بالإخلاص: الإخلاص في المشاعر والاهتمام بالطرف الآخر كما يهتم بي، لطالما كان لدي أصدقاء حولي يحبونني ويهتمون بي ومستعدون لفعل أي شيء لأجلي، لكن فجأة بلا سبب أقوم بالانفصال عنهم وقطع علاقتي بهم!عندما أتحدث إلى صديق فأنا أكون سعيدة حقا، نتبادل وعودا وأكون عازمة على تحقيقها، مثلا لنبقى أصدقاء للأبد أو شيء كهذا، لكن بمجرد أن أبتعد عن صديقي ذاك ولو لنصف يوم يقل حبي له وتقل معه الرغبة في المحافظة على تلك الوعود، بدون أن يفعل شيئا لي سأهجره.

ظننت الأمر عاديا لكن في الآونة الأخيرة حدث شيء جعلني أخيرا أنتبه أن بي خللا ما، في مدرستي السابقة كانت لدي جماعة أصدقاء مقربة لا أذكر عددهم، أمي أرادت أن ننتقل لمدينة أخرى وعندما ودعت أصدقائي أخذوا يذرفون الدموع حزنا على فراقي، رق قلب أمي أسفا عليهم، فأخبرتني أنني لو أردت البقاء فيمكننا أن لا ننتقل، لكنني أخبرتها أمام أصدقائي" لا، لنذهب فقط"، وعندما انتقلنا قطعت الاتصال بهم دون سبب يذكر.

عندما جلست أتذكر دموعهم سألت نفسي: إن كنت أشعر بالحزن، لكني لم أجد في قلبي ذرة حزن، والمرعب أكثر أنني لاشعوريا ضحكت مستهزئة عندما تذكرت بكاءهم " أغبياء حقا"، في تلك اللحظة فزعت من نفسي، وصدمت.

أنا عن غير قصد أجذب إليّ الناس، بدون قصد أجعلهم يرون فيّ توأم روح، لكن في النهاية أرميهم دون سبب ودون ذرة ندم حتى أني عزمت على تغيير نفسي، لكن لفعل ذلك أحتاج لفهم سبب مقدرتي على ترك الأصدقاء بسهولة دون ندم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فيانا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مشكلتك كما شرحتِها لنا هي عدم التعلق بالآخرين.

بداية دعيني أقول لك أنني لا أستطيع الجزم في معرفة سبب مشكلتك، فلمعرفة السبب يلزمني معلومات كثيرة عنك، وهذا غير متوفر في رسالتك، لذا سأحاول أن أشاركك جميع الاحتمالات التي أتت إلى بالي، وأنت الوحيدة التي ستتمكن من غربلتها ومعرفة أيهم تنطبق عليك، ولكن قبل ذلك، دعيني أخبرك أن سلوكيات الإنسان عموماً قد يعود سببها إمّا إلى سمات شخصيته ونمطها، أو إلى خبرات حياته التي قد تعرض لها، وجميع الاحتمالات التي سأذكرها لك سترينها تدور حول أحد هذين السببين.

الاحتمالات الواردة لسبب سلوكك في عدم التعلق بالآخرين، وسهولة الاستغناء عنهم برأيي هي:
- أولاً أتمنى منك أن تكتبي في غوغل أنماط شخصية الإنسان، وتقرئي سمات كل نمط، لتكتشفي إن كانت أحدهم تنطبق عليك بنسبة ما، حيث إن بعضها يكون من سماتها التقلب في العلاقات الاجتماعية والصداقة وعدم الاستقرار، ولكن كما أخبرتك لا أستطيع التخمين في ذلك لأن هناك سمات أخرى علي معرفتها إن كانت تتوفر لديك، لذا أنت بإطلاعك على الموضوع ستتمكنين برأيي من الغوص في اكتشاف نفسك وسماتك الشخصية.

- هل مشكلتك هي حالية أم قديمة ودائمة، فلكل منها تفسيره المختلف، فإن كانت حالية فقد تكون عَرَضَاً (تبلد المشاعر) لمشكلة نفسية تمرين بها، وستنتهي بزوالها.

- قد يكون نمط حياتك الذي تعرضت له والأحداث التي مررت بها قد جعلتك تعتادين أن تواجهي الحياة بمفردك، وبالتالي زرعتْ داخلك قوة واكتفاء بذاتك، مما يعزز ذلك لديك شعور عدم التعلق بالآخر.

- قد يكون نمط حياتك الذي تعرضت له والأحداث التي مررت بها قد جعلتك تنتقلين من مكان إلى مكان، أو من بلد إلى بلد، أو تفقدين أشخاصا مقربين لك، مما جعلك تطورين آلية دفاع نفسية داخلية لديك، أن لا تتعلقي بالأشخاص والأشياء والأماكن، حماية لنفسك من الحزن الشديد.

- قد يكون نمط شخصيتك أنك شخص مستقل بطبعه، فالاستقلالية عند الإنسان تخفف من تعلقه بالآخر.

- قد يكون لديك تقدير عال لذاتك، فتقدير الذات أيضا عادة ما يرتبط مع ضعف التعلق المفرط بالآخرين.

- قد يكون نمط تفكيرك متأثرا بأنماط فكرية معينة تميل إلى العقلانية منها إلى العاطفية، وهذا الأمر بالذات يختلف من شخص إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، فمثلاً مجتمعاتنا العربية تميل إلى التعلق بالأشخاص والأماكن والأشياء وإضفاء رابط عاطفي على ذلك، أما في الغرب فهم على العكس يرون العلاقات أغلبها على أنها عقلانية ومنطقية وتصب في المصالح، وليس لها أية جانب عاطفي (وليس هناك خطأ في كلا الطريقتين، بل هي اختلاف وتنوع في طرق تفكير البشر)، لذا موضوع التعلق بالآخرين برأيي يتأثر بقوة بطريقة تفكير صاحبه، وكيف يرى موضوع العلاقات الإنسانية عموماً.

- هناك معلومات مهمة كنت أود معرفتها عنك لمعرفة إن كان هذا السلوك فعلا متطرفا أم طبيعيا، مثلا:
ما هو تصرفك وردة فعلك في حال تعرّضت للرفض من الآخرين؟ ما هي طبيعة علاقتك بأهلك، وتعلقك بهم، سواء الآن أو في الطفولة؟
هل عدم تعلقكِ بالآخرين مرتبط بالضرورة بعدم فاعلية صداقتك معهم؟ يعني في حالات الضراء والسراء لأصدقائك هل تتواجدين معهم لمشاركتهم وتقديم الدعم أم لا؟ كيف تعبّرين عادة عن محبتك لمن تهتمين بأمره؟ متى تشعرين أنك بحاجة لوجود الآخرين من حولك؟

هناك نقطة أريد التنويه إليها وهي: أن رسالتك لم يكن واضحا فيها إنْ كان مصطلح الأصدقاء تقصدين به إناثا، أو ذكوراً وإناثاً معًا، وأنا وفقاً لما فهمتُه من كلماتك (وخاصة موضوع ذرف الدموع) فأخمن أن قصدك كان على صداقتك بالإناث عموماً، وكتابتي كانت وفقاً لذلك.
أما إنْ كنت تقصدين بعدم تعلقك إنه مرتبط بالذكور، فهنا استوقفتني جملة برسالتك "إذا ابتعدت عن صديق ولو لنصف يوم يقل حبي له وتقل معه الرغبة في المحافظة على الوعود بديمومة العلاقة".

حيث أرى هنا أن حالتكِ بغاية الطبيعية، فمن الطبيعي والصحيح أن لا تتعلقي بشاب زميل لك في مدرستك أو جامعتك، وتربطكما العلاقة الدراسية تحت ظرف الضرورة، بل على العكس، من غير الطبيعي أن تشعري بالحب والتعلق بهم، فالحب هو شعور جميل مع شخص آخر تنجذبين إليه وتشعرين معه أنكما تتشاركان بالعديد من طرق التفكير والقيم والأخلاق، وتشعرين بالراحة معه وترغبين بقضاء المزيد والمزيد من الوقت سوياً، وهذا الشعور في ديننا الإسلامي قد جعله حلالاً ضمن إطار الزواج، وذلك تقديرا وحفظاً على سلامة مشاعر الطرفين، فتخيلي لو أن الفتاة تشعر بهذه الأشياء العميقة مع كل شاب تصادفه في حياتها، وبالتالي تتعلق بهم، ألن يكون ذلك هدراً لمشاعر ووقت كلا الطرفين؟!

لذا أتمنى منك إن كنت ترغبين بمزيد من التوضيح والاستفسار أن تعاودي مراسلتنا مجددآ، ونحن جاهزون للإجابة بكامل المحبة والسرور، وأتمنى أن أكون قد أفدتكِ، ودمْتِ بحفظِ الله..

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً