الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا فتاة مراهقة وأعاني من الوقوع في العقوق.

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة بعمر ١٦ سنة، لدي مشكلة لم أجرؤ يوماً على عرضها على إحدى معلماتي الملتزمات، والموضوع يتعلق بوالدي، بصراحة أنا لدي مشكلة منذ صغري، وهي أنني أتعامل مع أمي وأبي كأنهما شخصان بعمري.

منذ أن كنت صغيرة لا أحس أنني أعطيهما حقهما بالاحترام كأبوين، أيضاً لا أحس أني أوقر من هو أكبر مني وأحترمه كما يجب.

أتعامل معهم كأحد بعمري، فمثلاً عندما أغضب بصراحة أشتمهم، كما لو كنت أتكلم عن أحد بعمري، كنت دائماَ أتكلم مع صديقاتي لأعلم نمط تعاملهم مع أهلهم، فتقول إحداهن مستحيل أن أسب والدي أبداً، لم أفعلها في حياتي قط.

بصراحة كنت أستغرب بادئ الأمر، وهذا عندما كنت صغيرة جداً، وكانت أمي إذا سمعتني يجن جنونها، وتقول لي: لم أرَ في حياتي فتاة تسب والديها! لماذا أنت هكذا؟

أنا وأخواتي الأصغر مني نعاني من هذه المشكلة، أنا أعي أن ما أفعله عقوق لوالدي، أرجو أن يغفر الله لي، وأحاول أن أسيطر على لساني بشكل عام في حياتي، ولكني أركز أولاً على أن لا أسب والدي.

للعلم أنا أكبر طفلة لدى أمي وأبي، ولم ينجبا قبلي، وأنجبا بعدي ٣ أخوات بنات، وأمي وأبي غير راضين عنا، وأنا أحس بعظم ذنبي وأخاف من أن أموت، وهما غير راضين عني، مع أني أصلي وأصوم، وأحفظ القرآن، وهما دائماً يسجلوننا في مراكز القرأن، لعلنا نصبح مؤدبات.

لا أعلم إن كان تشاجر والدي أمامي منذ صغري، وعدم احترام أبي لأمي عندما يتشاجران له علاقة بسلوكي هذا؟! أنا أحس بالذنب لأن أخواتي يقلدنني في كل شيء، وسأحمل وزرهن، فساعدوني، أنا بائسة، أرجو أن تفهموني وتنصحوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنت -والحمد لله- بنيتي فتاة متعلمة وحافظة للقرآن ومداومة على صلاتها، وتعلمين جيداً حق والديك عليك، كما أنك مثقفة ومدركة وواعية.

كل ما عليك هو أن تميزي والديك عند حديثك معهما بالمزيد من الاحترام؛ فلا ترفعي صوتك عليهما، وتذكري قول الله جل وعلا: (وقل لهما قولاً كريماً)، فاحترام الوالدين من البر، وتذكري قوله تعالى: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما)، والله عز وجل أوصى الأبناء وحثهم على البر بوالديهم وليس العكس؛ وهذا لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

بنيتي سلام: لا شك أن ما تقومين به من شتم وسبّ أمرٌ لا يقره الشرع، سئل النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "أي الناس أحسن بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك".رواه البخاري.

الأم لها ثلاثة حقوق؛ لأنها عانت من آلام الحمل، وآلام الوضع، وآلام الحضانة والرَّضاعة ما لم يُعانه الأب، وإنّ فضل الأم مقدم على فضل الأب في القرآن الكريم والسّنة النبوية؛ فقد قال -تعالى-: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير).

أنت البنت البكر لعائلتك، ويجب أن تكوني نموذجًا يحتذي به أخواتك، وأن تكوني صاحبة إرادة وشخصية مميزة، رغم الخلافات الأسرية الموجودة في المنزل، واعلمي أن كل البيوت تعاني من مشاكل واختلافات، وعلينا أن لا نغرق أنفسنا بمشاكل الدنيا، وعلينا أن نركز بمستقبلنا ودورنا في هذه الحياة التي سوف نُسأل عنها أمام الله عز وجل.

أنت عليك أن تقومي بدور الفتاة البارة لوالديها، ولا ذنب لك بعدم اتفاقهما، وواجبك الكلمة الطيبة عنهما، وألا تقفي بصف أحد منهما على حساب خسارتك للطرف الآخر.

مهما كان من خلافات وشجار يحصل بين والديك فهذا ليس مبرراً لك للتعامل معهما بهذه الطريقة، فالشرع أَمَرنا بالإحسان بالوالدين لأنه حق وواجب في ذات الوقت، والفوز في الدارين لمن فاز ببر والديه وخاصة الأم، وأنصحك بالحديث الطيب والسلوك المهذب معهما.

هل تعلمين أنّ الدراسات الحديثة أثبتت أن الكثير من الوالدين من يتخذون من الشجار والخناق أسلوب حياة فهكذا يتفاهمون ويتعاملون مع بعضهم، وهم لا يشعرون بالضيق أو الألم، ولأن القاعدة الأساسية في التعامل مع الوالدين عمومًا هي العمل على إرضائهم، واحتساب الأجر، حتى في المعاناة عند التعامل مع أحدهما؛ حيث إن الأصل هو ذلك.

أحثك من قلبي على زيادة البر بوالديك وأخواتك، أطيعي والديك ولا ترفعي صوتك عليهما، حتى وإن أخطؤوا في حقك، واسمعي إلى وصية الله تعالى لنبيه -عليه صلاة وسلام رب البرية- فقال له: (واخفض لهما جناح الذلّ من الرّحمة وقل ربِّ ارحمهُما كما ربّيَاني صغيراً)، عيشي حياتك بالطريقة السليمة، وتجاهلي الخلافات بين أبويك.

ركزي في مستقبلك، احذري أن تؤثر الخلافات بينهما على حياتك، واملئي وقتك بالجد والعمل، ولا تتركي نفسك فريسة عقوق الوالدين، أنت ما زلت صغيرة، وأمامك الكثير من الأمل والطموح الدراسي، وابذلي قصارى جهدك في تغيير ما لا ترضيه في ذاتك أو حياتك، على أن تقبلي ما لا تستطيعين تغيره.

اصقلي شخصيتك وثقفيها عن كل ما يخص حقوق وواجبات الآباء والأبناء من الناحية الشرعية، وحاولي التخلص من المشاعر السالبة تجاههما.

اعلمي -بنيتي- أنك إذا غيرت من أسلوبك الذي اعتدت عليه، بالإضافة إلى الأخذ بهذه النصائح؛ سوف تصلين إلى نتيجة ترضيك وتشعرك بالسعادة والرضا والحب والمودة مع أهلك؛ فمفتاح الرضا والتوفيق بحياتنا يكون باليرَ والاحترام وخاصة احترام الكبار.

أخيراً أنصحك أيتها الابنة الجميلة أن تركزي في دراستك، ولا تشغلي نفسك فيما يحصل بين والديك، وأنت واجبك البر لهما، ومهما صدر من والديك فهما لهما مكانتهما في المنزل والاحترام والبرّ واجب شرعي.

‎اللهم ارزقنا رضاهما ونعوذ بك من عقوقهما، اللهم ارزقهما عيشاً قاراً، ورزقاً داراً، وعملاً بارا،ً اللهم لا تجعلنا ممن يعقّون فنعقّ أو ممن يهجرون فنهجر.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً