الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إمكانية تحول أحلام اليقظة إلى وساوس قهرية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد لاحظت أني كثير الكلام مع نفسي عندما أكون وحيداً، وهذه الحالة بدأت عندما كنت في الثانوية، كانت الوالدة بارك الله فيها تشد علينا في أمور المذاكرة حيث كانت تجعلني أذاكر أقل شيء 4 ساعات يومياً، وعلى كل حال في ذاك الوقت كنت أقفل الباب على نفسي وأدعي المذاكرة، وفي الحقيقة كنت أكثر التفكير والتخيل وأحاول أن أكون قصة بذهني وأتفاعل مع القصة وأستمر على هذا الحال ساعات كثيرة إلى أن أصبحت عادة! فكلما أصبح وحيداً أحدث نفسي، فعلى سبيل المثال: أتخيل أني أصبحت صاحب جاه كبير ولدي زوجة ثم تحصل مشكلة فأتورط، وهكذا القصة تستمر وعندما أتفاعل أتحدث بصوت مسموع! وأحياناً أفكر كيف بي إذا انتحرت الآن والأهوال التي سأراها أو أتخيل أني قتلت ومن هنا تبدأ القصة الخيالية؛ فأجد صعوبة في الإقلاع عن التفكير.

وأحياناً أتخيل أني أتحدث مع امرأة وأذكر لها بعض قصص حياتي الحزينة والمضحكة، وهي تحدثني وتخبرني أشياء وقصصا لم أكن أعرفها؛ فأتحدث بصوت مسموع بشرط أن لا يكون أحد بجانبي، وإلا تحدثت من داخلي، فأحياناً أضحك عندما تكون القصة مضحكة أو أحزن وأحياناً أغازل...إلخ.

والعجيب عندما أريد أن أقلع عن التفكير أجد صعوبة وألما في البداية، وموضع الألم يكون القلب وبجانب الرأس من الجهتين وأشعر بنوع من ضيق التنفس، وفي الحقيقة أشعر بمتعة أثناء الحديث مع نفسي ولكن إلى متى؟ والله كم أحزن عندما أجد كثيراً من وقتي يضيع في هذا الأمر التافه وأقول يا ليتني ذكرت الله بدلا من التفكير، وأعزم على الإقلاع ولكن أعود لا إرادياً.

علاوة على ذلك أصابني وسواس قهري شديد، لقد عانيت الكثير ولكن الحمد لله الآن خف كثيراً، وأنا مستمر على دواء يسمى الأنفرنال حالياً، في بعض الأحيان أعاني من تفكير عدواني حيث تأتيني أفكار مثل أن أقتل شخصاً ما وأعذبه وأتلذذ بتعذيبه أثناء التفكير في ذلك، وغالباً الشخص الذي أتلذذ بتعذيبه هو الشخص الظالم المجرم الذي حارب الله ورسوله (أي شخص له هذه الصفات).

على كل حال أنا مليت من حالي، ولا أدري كيف أترك هذه العادة؟ علماً بأنه إذا معي شخص آخر بجانبي لا أظهرها أمامه ولكن أحياناً أظهرها أمام العاميين الذين لا أعرفهم ولكن ليس بصورة واضحة جداً، فأني فكرت مراراً تكراراً في الزواج، وأنا متيقن أن هذا هو الحل (لكن هل يوجد حل آخر حتى ييسر الله لي الزواج) لأني كثيراً ما أتخيل أني أتحدث مع امرأة أعشقها (مجرد خيال في الحقيقة لا أعشق امرأة) فهل هذه تعتبر زيادة عاطفة أم ماذا!!؟

مع العلم بأني لست شخصاً انطوائيا تماماً ولكني انطوائي عندما أشعر بالرغبة واجتماعي أيضاً أذا أردت أن أخالط الأصحاب، أفكر أحياناً بأن ما لدي هذا من الجنون، وهل المجنون يعرف حاله أنه مجنون!؟ وختاماً أقول هل يوجد حل لهذه المشكلة؟ وهل هذا يعتبر نوعاً من الجنون؟ وهل المجنون يعلم بأنه مجنون؟ وماذا تسمى هذه الحالة؟

وأود تعريفاً بسيطاً جداً عن الفصام، فأني راضٍ تماماً ولله الحمد بالحال الذي أنا فيه، ولكن على المسلم أن يبحث عن ما هو أفضل لدينه ولنفسه، أعلم أني أطلت لكم ولكن أعلم ومتيقن وأثق بأن هذا هو المكان المناسب للاستشارة.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ None حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الجزء الأول الذي ورد في رسالتك يوضح بصورةٍ جلية أنك في فترة الصغر كنت تعاني مما يعرف بأحلام اليقظة، وهي الاسترسال في خيالاتٍ غير منطقية، وهي ظاهرة تشاهد لدى الكثير من الناس في هذه الفترة العمرية وتختفي تلقائياً، أما عند البعض فقد يتحول الأمر إلى وساوس قهرية، وهذا هو الذي حدث لك بالضبط.

الوساوس القهرية يمكن علاجها، ولكنها تتطلب التصميم والعزيمة وقوة الإرادة؛ حيث أن العلاج السلوكي يتمثل في أن يحقر الإنسان الفكرة ولا يتبعها، ويحاول أن يطردها، فأرجو القيام بذلك.

ومن الضروري أيضاً أن تجد لكل فكرةٍ وسواسية ما يخالفها من فكرةٍ غير وسواسية، وتحاول أن تستبدل الفكرة الوسواسية بالفكرة الجديدة، هذا بالطبع سوف يؤدي إلى إضعاف الفكرة الوسواسية وتلاشيها، وبناء فكرةٍ جديدة.

هذه الأساليب العلاجية إذا طبقتها بصورةٍ صحيحة ستجد إن شاء الله أنها مفيدة جداً بالنسبة لك.

حقيقةً الأدوية التي تعالج الوساوس القهرية متوفرة جداً الآن، وقد وُجد أنها فعالة وممتازة، ونصيحتي لك بجانب الإرشاد السلوكي البسيط هي أن تقوم بتعاطي أحد هذه الأدوية، والدواء الجيد والذي لا يحمل آثاراً سلبية كثيرة يعرف باسم بروزاك، أرجو أن تتناوله بمعدل كبسولة واحدة في اليوم لمدة أسبوعين، ثم ترفع هذه الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، أي 40 مليجراماً، وتستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة بعد ذلك إلى كبسولةٍ واحدة لمدة شهرين، وستجد في نهاية الأمر أنك والحمد لله أصبحت أكثر طمأنينةً من أي وساوس أو توتر.

أنت الحمد لله لا تعاني أبداً من مرض الفصام أو أي مرضٍ عقليٍ آخر، ولنعطك فكرة بسيطة عن مرض الفصام، فمرض الفصام هو مرض عقلي رئيسي، وهنالك عدة أنواع من هذا المرض منها الخفيف ومنها الشديد، وأعراض الفصام بصورةٍ بسيطة تتمثل في أن الإنسان يُصاب باضطرابٍ في أفكاره، وربما تنتابه بعض الخيالات والظنون الخاطئة وسوء التأويل، وفي بعض الحالات يسمع الإنسان أصواتاً غير موجودة، وربما تصدر له هذه الأصوات نوعاً من الأوامر التي قد يضطر أن يتبعها.

الفصام أيضاً يؤدي في بعض الحالات إلى تدهور شديد في الشخصية، ويبدأ الإنسان يفقد وظائفه الاجتماعية المطلوبة.

بجانب ذلك يُعاني بعض مرضى الفصام من الانسحاب الاجتماعي والعاطفي، وعدم القدرة على التواصل وفقدان الطموح، وعدم الاهتمام حتى بالنظافة الشديدة.

مرض الفصام الحمد لله الآن يستجيب للعلاج بدرجةٍ معقولة جداً، حيث أن حوالي 50% من مرضى الفصام إما يتم شفاؤهم بصورةٍ ممتازة، أو تتم مساعدتهم عن طريق الأدوية بصورةٍ جيدة جداً، ويظل حوالي 20% يعانون من هذا المرض بصورةٍ مطبقة وشديدة.

وختاماً: أسأل الله لك التوفيق والسداد.



مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تونس sarra

    mrci doctor

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً