الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوسي القهرية أثرت على ابنتي.. فهل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

رمضانكم مبارك سعيد تقبل الله طاعاتكم، أرجوكم أن تهتموا برسالتي فإني في هم كبير.

أنا مصابة بالوسواس، والوسواس القهري منذ عدة سنوات وأعاني منه الكثير، لدرجة أنني لا أستطيع أداء أية عبادة، وانعزلت عن الجميع مرغمة، وأعاني من الاكتئاب وجد عصبية، يكفي أن أقول لكم: إن حالة أسرتي في أسوأ حال بسببي، وما زاد همي وغمي أن ابنتي الوحيدة ذات الثامنة والنصف من العمر بدأت مؤخراً تظهر عليها علامات الوسواس، حيث إنها بدأت تتضايق من صوت أبيها الذي هي جد متعلقة به وتحبه كثيراً، لدرجة أنها بمجرد ما تسمعه مثلاً يتلو القرآن الكريم في الصلاة تغلق أذنيها خاصة الأذن التي تكون في جهة أبيها، وتتعصب كثيراً وتحمر وتفرك قدميها وتكاد تنفجر، ولا تهدأ إلا إذا صمت أبوها أو غادرت المكان.

علما بأنها جدا متعلقة بأبيها، ولوقت قريب كانت تفضل الصلاة بالقرب منه، وتقوم بنفس التصرف إذا كان صوت التلفاز نازلاً أو صوت المتحدث غير واضح، مع أن سمعها جيد، والمشكلة أنها لا تقول بأنها لا تسمع ولكنها تنزعج وتشرع في لمس أذنها وغلقها، وتغضب في أي موقف مماثل.

والله لقد تعبت خاصة أن شخصيتي أنا مضطربة وموسوسة، وأخاف أن تكون مثلي، بالإضافة إلى أنها مثلاً تكرر السؤال عن أي يوم هذا الذي نحن فيه، وإذا ما حان وقت الصلاة تنظر في اليومية لمعرفة الوقت وتكرر النظر وتكرر السؤال عن اليوم.

علما أننا لم نكرهها ولا نكرهها على الصلاة فهي بمفردها تراقب الأوقات، فهل من علاج لهذه المسألة؟ وكيف نتعامل معها كي تتخلص من هذا الهم وترتاح ونرتاح دون أن نثير انتباهها إلى أن هناك شيئاً ما لديها تعاني منه؟ لأنها تنتبه إلى مثل هذه الأمور كثيراً وتعلق فكرها بها، وهل كل ما هو وراثي لا يعالج؟

أصبحت جداً خائفة أن ترث مني سلبيات شخصيتي الكثيرة، وأحيطكم علماً بأن ابنتي اجتماعية كثيرة الحركة تحب اللعب كثيراً، تتقرب من الآخرين ولكن لا يقبلها ـ مثلاً ـ التلميذات في الفصل وعانت ولا زالت تعاني من هذا الكثير، مع أنها تحبهن وتساعدهن وكثيرة السخاء معهن، ولا يقبلن اللعب معها إلا نادراً.

شفاكم الله وعافاكم ولا أراكم أي هم.

في أمان الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم نوارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على رسالتك، ونأسف عن التأخير في الرد، وكل عام وأنتم بخير.

أرى أن انشغالك الشديد، وشفقتك على ابنتك الوحيدة ناتجٌ في المقام الأول من حالة الوسواس والقلق التي أنت مصابةٌ بها، وعليه أرى أنه سيكون من الأفضل لك أن تبدئي بتناول بعض الأدوية المضادة للقلق والوساوس التي سوف تؤدي إن شاء الله إلى تحسن حالتك، ومن ثم سوف تجدين أنه ربما يكون هنالك مبالغة في تصورك لتصرفات ابنتك.

الدواء الجيد والذي يُفيد كثيراً في مثلك حالتك يُعرف باسم بروزاك، والجرعة التي يمكن أن تبدئي بها هي كبسولة واحدة في اليوم، ويفضّل أن تؤخذ بعد الطعام، وبعد أسبوعين من بداية الجرعة يُرفع الدواء إلى كبسولتين في اليوم، وتستمرين على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة بعد ذلك إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهرٍ أخرى.

إذا لم يتوفر البروزاك فالدواء البديل يُعرف باسم سبراليكس، وجرعته هي 10 مليجرامات ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تُرفع إلى 20 مليجرامات ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم تخفض إلى 10 مليجرامات ليلاً لمدة شهر واحد، فكما ذكرت هذه الأدوية إن شاء الله مُفيدة جداً في علاج الوساوس والقلق.

بالنسبة للابنة العزيزة، بما أنها الابنة الوحيدة -نسأل الله أن يحفظها- فقد شكل ذلك نوعاً من الهاجس والقلق بالنسبة لك، وأصبحت أكثر دقة ويقظة في مراقبة تصرفاتها، كما أن الطفل الوحيد دائماً يكون ضحية من الناحية التربوية؛ لأن الوالدين في الغالب يفرضون عليه حمايةً مطلقة بصورة شعورية أو لا شعورية، وعليه أنصح وبكل قوة أن تتجاهلي التصرفات السلبية البسيطة التي قد تحدث من هذه الابنة، وأرجو أن تلفتي نظرها للقيام بعمل إيجابي حين تكون تصرفاتها سلبية، بمعنى أن لا تنهيها عن الفعل السلبي، ولكن وجهيها للقيام بعمل إيجابي في نفس اللحظة؛ وذلك يؤدي بالطبع إلى انحصار التصرفات السلبية وبناء وتعزيز التصرفات الإيجابية.

كما ذكرت سابقاً حين تتحسن حالتك إن شاء الله سوف يقل التوتر والقلق لديك حيال الابنة، وأنا لا أرى حقيقةً أنها تعاني من مشكلة كبيرة، وكل الذي نطلبه منك هو تجاهل التصرفات السلبية وتطبيق مبدأ الترغيب والترهيب، وعدم فرض حماية لصيقة على هذه الابنة، كما أنه من الضروري أن يُتاح لها اللعب والاختلاط بزميلاتها، وبما أنها اجتماعية لدرجة كبيرة، فسوف يؤدي ذلك إن شاء الله إلى كسب الكثير من المهارات الاجتماعية الإيجابية، والتي سوف تقلل بصورةٍ تلقائية من التصرفات السلبية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً