الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما نصيحتكم لي وقد تزوجت ولا أجد الراحة؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة بعمر 24 سنة، أذكر من أول أيام حياتي وأنا في بيئة مليئة بالمشاكل والاختلافات والعصبية والصراخ.

نشأت في هذه البيئة وتعلمت منها وأصبحت جزءاً منها كبرت، وأصبحت أكرر المشاكل والبيئة ذاتها مع أخواتي.

كنا دائماً في عداء لا نتكلم مع بعض لأشهر طويلة رغم أننا نتواجد في بيت واحد، كلنا على ذاك الحال نكره بعضنا ونشتم بعضنا البعض أضرب إخوتي ويضربونني، والأم والأب لا كلمة لهم علينا.

أمي وأبي يسمعان كلام إخوتي الكبار، وكان ذلك سبباً لكيدي وغيظي، كان ذلك سبباً يجعلني أكرههم وأنفر منهم، وأبتعد عنهم يوماً بعد يوم.

أدرس في جامعة وكنت أرفض الزواج حتى التخرج، ولكن وضعي مع أهلي أجبرني لأقبل الزواج لكي أتخلص من هذه البيئة.

خطبت وتزوجت بغضون فترة قصيرة جداً، ولكن زوجي على علم بمشاكلي مع أهلي، ولم أفصح له بذلك عن قصد، ولكن الأمر كان مكشوفاً، وفتحت له قلبي بعدما اكتشف الأمر.

ذاك تسبب بأنني فقدت كرامتي عند زوجي فهو يضربني ويصرخ بوجهي دائماً، وأنا على عصمته فقط لمدة 3 شهور، يعني في هذه الفترة القليلة التي يجب أن تكون فترة عرسان وعسل وحب ومودة، فهي يوم واحد حب وبقية الأيام صراخ وضرب ومشاكل، يشتمني ويهينني كثيراً، وأكون مثلاً غلطت بحقه بشيء بسيط ولكن أنال من الشتائم وكأنني عملت شيئاً شنيعاً غير مقبول.

أشعر أحياناً بأن الله ينتقم مني بزوجي على ما كنت أفعله بأهلي، أكره نفسي وأريد الموت وأفكر بالانتحار، ولكن خوفي وحبي لنفسي يمنعني.

أنا لست سعيدة بحياتي ونادمة أني تزوجت ولا أستطيع الطلاق بعد 3 أشهر زواج، بسبب أنه لا يوجد سند يحميني.

إذا تطلقت فلا أستطيع العودة إلى بيت أبي، فلم أعد إليه منذ أن تزوجت، وأنا لا أتكلم مع أحد من أهلي، وهم أيضا لا يكلمونني.

حياتي ربطت بزوجي رغم أنه نظيف القلب، لكنه قاسٍ يهينني ويجرحني وكلما يجرحني أتمنى الموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نسرين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحًا بك عزيزتي نسرين .

بداية: أنت يا بنيتي زوجة جديدة العهد في الحياة الزوجية، والمشاكل تحدث بين الزوجين، ولكن الطريقة التي نعالج بها المواقف والاختلافات هي التي تحدد مسار العلاقة الزوجية، والاحترام بين الزوجين هو مفتاح السعادة الزوجية، وعادة الزوجة هي الأقدر في التعامل مع هذه الاختلافات، وهي التي تحتوي غضب زوجها، وتأكدي أن الزوج حين يهدأ ويراجع نفسه سيجد أن زوجته تصرفت بطريقة عقلانية أكثر منه، وسيزيد تقديره لها، ومع مرور الأيام سيتغير.

مما يبدو لي أنكما تنقصكما الخبرة في التعامل مع المواقف والمشاكل الزوجية، وهذا يعود إلى عدم التثقيف والتأهيل قبل الزواج ومعرفة ما لكما وما عليكما من حقوق وواجبات تجاه بعضكما، ولكن ما زالت الفرصة أمامكما في الاطلاع وقراءة بعض الكتب التي تتحدث عن فن التعامل بين الأزواج والتثقيف الجنسي.

اصبري ولا تعطي الأمر أكثر من حجمه، فأنا أطمئنك أنه سيتغير، ولكن عليك عدم الانجرار بالحديث عندما يكون غاضبًا، والتزمي الصمت، ولا تنظري إليه بأي نظرة تعبر عن السخرية أو ما شابه؛ فهذه الأمور سوف تزيد من حدة التوتر عند الرجل، ويبدأ بتفسيرها أنك لا تحترمينه، بالرغم أن ما يتلفظ به من شتائم وعنف جسدي هو منبوذ شرعًا.

تذكري أن السنوات الأولى من الزواج، رغم الصعوبات التي يمر بها الزوجان، إلا أنها تبقى من أجمل الذكريات والسنين في حياتهما، والاختلاف في العادات والطبائع بين الزوجين يولد بعض المشاكل، ومن أجل تفادي المشاكل؛ عليك بالتنازل أحيانًا، وهذا لا ينتقص من قدرك أبدًا.

أنت بهذا تحافظين على مملكتك الزوجية حتى تمر السنوات الأولى بخير، وتؤسسي لحياة زوجية تغمرها المودة والرحمة والسكينة التي أودعها الله عز وجل بين الأزواج لنجاح الحياة الزوجية، حيث قال لنا في كتابه الحكيم: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".


أنا أقدر المعاناة التي تعيشين بها، وكم هو مؤلم أن تتعرض الزوجة إلى عنف جسدي ونفسي ! فالمرأة بطبيعتها مشاعرها جياشة، ودموعها سخية، بخلاف الرجل الذي تسبقه خشونته وجفاء الكلام، وهدفي من جوابي على استشارتك هو أن أنصحك وأرشدك إلى التصرف الصحيح، وأن لا تجعلي هذا العيب الذي يعاني منه زوجك يفقدك أجر الصبر على البلاء.

عليك أن تتذكري إيجابيات زوجك التي لم تخبرينا الكثير عنها، فمن المؤكد أن لديه محاسن كثيرة، ولكنك غفلت عن تعدادها بنفس مستوى ما ذكرته من سلبيات؛ وذلك بسبب ما تعانين من إهانات وصراخ وعصبية زوجك، واعلمي أن هناك زوجات تعشن تحت وطأة ظلم أزواج أكثر سوءًا من زوجك.

هل هذه العصبية في التعامل معك وحدك، أم هو مع أهله ومعارفه هكذا؟! وإذا كان عصبيًا معك؛ فمن المؤكد أنك تعرفين ما الذي يغضبه وما الذي يرضيه.

وإليك -يا عزيزتي- هذه النصائح التي تساعدك على تعطير صفو حياتك:-

اجلسي معه جلسة هادئة، واختاري الوقت المناسب، وأخبريه أن هذا الكلام يجرح مشاعرك، واسأليه ماذا يحب وما لا يحب فيك من تصرفات، واطلبي منه أن يكون قريبًا منك، وأنك بحاجة إليه، فالرجل لا يحب المرأة المتسلطة، والتي تفرض رأيها عليه، ويمكنك أن تصلي إلى ما تريدين بطريقة لبقة عبر الاحترام المتبادل والحوار الودي واللطيف، وربما تقولين إن هذا صعب، وإنك لم تعتادي على هذا النمط من التعامل مع زوجك أو مع الاهل منذ بداية حياتك.

أقول لك: ابدئي التغيير من نفسك أولاً، ثم حسني علاقتك مع زوجك، وأدعو الله أن يصرف عنكما الشيطان الرجيم، وأن يعم التفاهم والانسجام حياتكما.

اجعلي حوارك مع زوجك حوارًا عاطفيًا يسوده الكلام المؤثر على القلب والروح والعقل، وكوني قريبة منه، وأشبعيه حبًا ومعاشرة، ودعيه يشعر بحبك له، وكيف تكون السعادة الزوجية التي تترجمها العلاقة الجنسية من حين إلى آخر.

تعلمي لغة الصمت؛ فإن الصمت عند الإساءة أفضل رد، واعلمي أن النار لا تطفأ بالنار، بل بانسحاب أحد الطرفين، وعندما تهدأ النفوس يمكنك الجلوس مع زوجك وتوضيح الأمور، وأحيانًا التغافل عن بعض الزلات أفضل لاستمرار الحياة الزوجية، هكذا هي الحياة لا تخلو من المشاكل.

حافظي على مملكتك الزوجية، وبادري بالتعامل الإيجابي، وثقي أنك سوف تصلين إلى نتيجة ممتازة مع زوجك في المستقبل القريب -إن شاء الله تعالى-.

الصبر ثم الصبر على البلاء، ثم الدعاء أن يصلح الله حال زوجك، وأن تستقيم أخلاقه وتُهذب ألفاظه، وأن يعم الاحترام بينك وبينه.

غاليتي نسرين: تتمثل العلاقة الأسرية في المحبة والوفاق وتقدير كل فرد لباقي أخوته، وفي التضامن الذي يقوم على محاربة الأنانية وأن تعيشوا كالجسد الواحد يشدّ بعضه بعضًا في الأحزان والأفراح، يقول رسول الله عليه صلوات من رب رحيم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى شيئًا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فهذا ينطبق على حال عامة المؤمنين، فما بالك بالإخوة الذين يعيشون في بيت واحد!؟.

غاليتي: هل تعلمين ما هو دورك في تفعيل مشاعر الأخوة وتبادل التقدير والاحترام؟

سأسرد لك بعض النصائح:

-اختاري الوقت المناسب واجلسي مع والدتك أو والدك أو كلاهما على انفراد، وأخبريهما باحتياجك لمساندتهم لك .

-عليك أن تتقربي من أخواتك، وأن تعامليهم بمشاعر الأخوة العظيمة، وأنا لا أنكر أن ما تذكرينه من تصرفات قاسية وسيئة بحقك شاق على النفس ويبكي القلب، ولكن يهونه النظر لعظيم الأجر، ولك في النبي يوسف عليه الرضى والسلام أسوة حسنة عندما صفح عن إخوته وسامحهم، بالرغم مما فعلوه به.

-اعلمي أنَّ قطيعة الرحم من أكبر الكبائر وبخاصة بين الإخوة ، قال الله تعالى: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم"، واجتهدي أن تكوني متعاطفة معهم، وحثيهم على التواد والتراحم والتواصل بينهم لتصفوا نفوسهم، وتأكدي أن إسعادهم ينعكس عليك إيجابيًا.

-حافظي على جسدك لتؤدي ما يريده الله منك؛ فممارسة الرياضة تعمل على تجديد طاقة الجسم والتخلص من القلق وطرد الأفكار السلبية.

- الزمي الطاعات من صلاة وتلاوة للقرآن الكريم؛ فهي تهدئ النفوس، وتبعد الشياطين عن بيوت المسلمين، وأكثري من الدعاء لك ولزوجك أن يلجم غضبه ويرزقه البصيرة، فقد قال المولى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".

وفقك الله لكل ما يحب ويرضى، وجعل حياتكما كلها سعادة وهناء وحب وصفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً