الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تشتت عائلتي وإهمال أبي ما الحل..وما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم.

سؤالي وشكواي من إهمال أبي، لأوضح أكثر عانت عائلتي مشاكل كثيرة، وأدت إلى الانفصال بين والدي، ونحن عائلة متكونة من ٦ أشخاص، أبي وأمي، وأنا الأخت الكبرى و٣ إخوة ذكور.

عند انفصال والدي اخترنا العيش مع أبي لأن أمي لم تكن تريدنا، وكان التقصير يقع على عاتقها، وبعد فترة ٦ أشهر أبي تزوج وكنا مع ذلك عائلة سعيدة، حتى مع زوجته الثانية، ولكن بعدما أنجبوا أولاداً ٢ أبي أهملنا أنا وإخوتي، مما أدى إلى زواجي بعمر ال١٧ سنة، بسبب ظلم زوجته، وأدى إلى رحيل أخي إلى العيش مع أمي، وبعد مرور الوقت تزوج أخي وهو بعمر ال٢٠ سنة، وعمل حادثاً في عمله ومات رحمه الله.

الآن أبي أهملنا أكثر وإخوتي المتبقين من أمي أهملهم ولا يتحملهم، وعندها أهل أبي تحملوا تربية إخوتي بين الحين والآخر إخوتي يسكنون مع أبي أو أهل أبي، وأصبحوا يعاملون بقسوة من الجميع، كبروا وهم مستغلون ويعملون أعمال المنزل، وكل شيء في بعض الأحيان يأخذون أموالاً كتقدير لتعبهم ومعاوناتهم.

أما أنا فسكنت مع أهل زوجي -الحمد لله- على كل شيء، ولكن لا يسأل عني أبي، مع العلم أني أتواصل معه ولا يجيب على مكالماتي إلا عند الصدف يجيب بكلمات صغيرة على رسائل كثيرة لي.

علماً أنه متعمق في عبادة الله، وذهابه إلى المسجد مستمر، ولكنه مهمل لي ولإخوتي، وحتى مهمل لوالدته وأهله، وقليل التواصل مع الجميع، ونعذره باستمرار لكننا نلاحظ مدى اهتمامه بأولاده من زوجته الثانية ولا يطيق وجود إخوتي معه، ولأوضح أمي لا ترغب بنا ولا نرغب بها؛ لأنها سبب ومعاناتنا منها، وهيه الآن تحضر للتتزوج، مضى على تشتت عائلتي ١٠سنوات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم رزان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا ومرحبًا بك عزيزتي، جعلنا الله وإياكم من عباده الصابرين.

كل ما يصيب العبد في هذه الدنيا إنما هو ابتلاء في السراء والضراء والابتلاء يكون لتهذيب النفوس لا لتعذيبها، وديننا الحنيف أمرنا بصلة الرحم والعفو عن المسيء، وأن نرد الإساءة بالإحسان إليهم، يقول الله تبارك اسمه: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة"، وهذه المعاملة مع الغرباء، فكيف مع والديك!!، فلهم عليك حق كبير، وطبيعة النفوس مجبولة على الرد في حال الإساءة، وتستصعب العفو عن من ظلمها، ولكن عندما نحتكم إلى الشريعة نجد أننا ملزمون بالصبر والبرّ من بداية الحياة حتى الممات.

احرصي على الحق والعدل والإنصاف في نظرتك لوالدتك، ولا يجوز أن تُحمليها ذنب هذا الطلاق، فالحياة الزوجية أسرار -خاصة بين الزوجين- ومن الصعب معرفة من الظالم ومن المظلوم، والقاعدة الأساسية في التعامل مع الوالدين عمومًا هي العمل على إرضائهم واحتساب الأجر، حتى في المعاناة عند التعامل مع أحدهما؛ حيث إن الأصل هو ذلك.

أنصحك -يا بنيتي- مهما كبرت الفجوة ومهما حصل وسيحصل بعد زواج والدتك الذي هو حق شرعي لها، فوالدتك تحتاج إلى رجل يحميها ويلبي احتياجاتها، وينفق عليها، لذلك يظل الإحسان بالوالدة حقاً وواجباً في ذات الوقت، والفوز في الدارين لمن فاز ببر والديه وخاصة الأم.

غاليتي، نحن نأتي إلى الحياة ولم نختر أمهاتنا وآباءنا، ولكنا نملك حسن التكيف وحسن العشرة بالمعروف معهم، وواجبنا تجاه والدينا كما أوصانا العزيز الغفار في كتابه الكريم: "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا"، فانظري إلى عظمة مكانة الآباء عند ربنا عز وجل، ولو كانا مشركين أوصى الله بهما وقال: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا"، وهذا لا يعني تجنب النصح لهم وطلب الهداية، ولكن علينا أن نقترب منهم بالكلمة الطيبة، وخفض جناح الطاعة، والاحترام، وأن نكسبهم في الدارين: دعاء في الدنيا لتسهيل أمورنا، ورضا لدخولنا الجنة، والله سميع مجيب.

أنا أعلم جيدًا أنه من المؤلم والصعب والمحزن والمؤسف ما حصل ويحصل معكم، فأنت لم تعش بأمن وأمان عند أهلك وأخوتك كذلك الأمر، والعلاقة مع الأهل لا تنتهي في ليلة وضحاها، فالشيطان دخل بينكم ونجح بالإيقاع بينكم وبين زوجة أبيك التي كانت الصدر الحنون لكم والمأوى الآمن بعد طلاق والديك.

تأملي معي بنيتي ما قاله النبي: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه"، وأنت الآن تعيشين في قلق، وتشعرين أن نفسيتك ضعيفة،وأنت بحاجة إلى الحكمة والروية في التعامل مع والديك وبعقلانية.

بنيتي: اذكري والديك بالكلمات الطيبة أمام إخوتك وأهل زوجك، فهم بالنهاية أهلك وأنت بحاجة إليهم، ولا يمكنك الاستغناء عنهم، رغم كل ما حصل، وهذه المشاكل تحصل بين جميع الأسر، وأنتم لستم الوحدين الذين يعانون من ظلم بعض الأقرباء، هكذا هي الحياة غاليتي.

أنصحك بنيتي بالاستعانة ببعض الأقارب ممن يقبل والدك نصحهم ومن يمتلكون أسلوباً مقنعاً بمنهج دعوي وخاصة ممن يذهب برفقهتم إلى المسجد، ويوضحون له وجوب العدل بين أبنائه في النفقة، وأن من أوجب واجباته كرب أسرة أن ينفق على زوجته وأبنائه جمعياً.

اختاري الوقت المناسب واجلسي مع إخوتك لمساندتهم، واسأليهم عن احتياجاتهم، واستمعي لمشاكلهم النفسية والجسدية، وكوني أنت لهم القدوة والصدر الحنون الذي يلجؤون إليه في وقت الشدة.

أشعريهم أنّك بحاجة لهم، واعلمي أنَّ كل ما تفعلينه ستثابين عليه عند الله عز وجل - حقاً - أنَّ الإخوة نعمة من الله لا يعرف قيمتهم إلا من حُرم منهم.

أنصحك بإنعاش حياتك بما هو نافع، وأن تهتمي بزوجك وأهله بما يرضي الله عز وجل، ولذا لا تحاولي أن تحمّلي نفسك ما لا طاقة لك به، فليكن هدفك هو الحفاظ على سعادتك وبيتك بالدرجة الأولى، واهتمي بتربية طفلك، وانثري السعادة داخل أسرتكِ تسعدين، وتسعدين كل من حولك، وستلاحظين بإذن الله التحسن في نفسيتك.

لا تجعلي مشاكل والديك أن تكون محور حياتك ويومك، ولا أن تكون سببًا لإحباطك، بل استفيدي من هذه الخلافات كيلا تكرريها في حياتك الزوجية، واعلمي أن ما يحصل بين والديك لا يعني أنه سوف يحصل معك.

طوري نفسك ودعمي ثقتك بنفسك، أشغلي وقتك بما ينفعك، وخاصة بزيادة مهاراتك التربوية والزوجية، وصقل مواهبك وميولك، واحذري أن يدخل اليأس والإحباط لنفسك، واعلم أن هذه الحياة طريق عبور إلى حياة خالدة للمتقين ولمن ابتلى وصبر وشكر ربه على ما حباه من نعم في هذه الدنيا.

أخيرًا أقول لك: توكلي على الله جل وعلا كي تنالي الصبر، وتذكر قوله تبارك وعلا: "واصبر وما صبرك إلا بالله"، وقوله: "فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يُسرا"، فما كان ربك بظلام للعبيد، وإنما نحن لأنفسنا ظالمون.


أسأل الله عز وجل أن يصلح ذات البين بينكم.. ويؤلف القلوب وينشر المحبة والمودة والرحمة بينكم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً