الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب والوسواس القهري وتبدد الشخصية، كل ذلك أعاني منه، أرجو المساعدة.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نشكركم على ما تقدمونه من مجهودات لمساعدة الناس.

أنا طالب جامعي في السنة الثالثة، أعاني منذ 3 سنوات من أعراض متنوعة، وطيلة هذه الفترة أنا محتار في تشخيص نفسي ومعرفة ما أعاني منه.

في البداية ابتدأ الأمر بقلق شديد دون معرفة السبب، ما أدى إلى تشوشي وإثارة الشكوك لدي، لكن ذلك يزداد يوما بعد يوم، ففقدت حلاوة الصلاة والعبادات عموما، وأصبحت الوساوس تراودني: هذا مقت من الله لك، هذا نتاج معصيتك، أنت منافق انت كذا، لكنها كانت عادية وباستمرار.

بدأت الوسواس تتهيج، وعندما أقرأ القرآن فأمر على آية عذاب وخصوصا العذاب المعجل لأهل الكفر في الدنيا، يقول لي: هذه تنطبق عليك، ولكن كنت دائما مصرا على الاستمرار على التلاوة والنوافل، لكن الوسواس يزداد، حتى تحول الأمر إلى الوسوسة في كل شيء، مما أصابني بنوبات خوف شديدة، حتى فقدت الإحساس ولا أعرف كيف أميز بأحاسيسي، بل لا أشعر بها أصلا، كحجر يمشي وينطق، لا أحس بالحب ولا الفرح ولا السرور.

أحيانا تحدث أحداث في العائلة كموت قريب أو عرس فيتأثر الجميع، وأنا لا يتغير فيني شيء، إحساسي واحد، ومنذ سنة ونصف انعزلت عن الناس، وفقدت أصدقائي، وانخفض وزني جدا؛ لأن رغبتي في الطعام تقل إلى أن تنعدم أحيانا، ونومي مضطرب وكثير، وعندي القولون، ويضرب بشدة، كما أعاني من جرثومة المعدة، وصداع متواصل في الرأس، وآلام في البطن، وكأن صخرة على صدري، وفقدان الرغبة الجنسية كليا، ولا أمارس العادة السرية، ولم أحتلم منذ 3 أشهر، والآن أشعر بأنني غريب عن الواقع، وعن من حولي وعن ذاتي وعن مشاعري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

حالتك واضحة وجليّة جدًّا، وقد أحسنت في وصفها حقيقة، وصفك دقيق جدًّا، وقطعًا الذي أصابك هو وساوس قهرية، محتوى الوساوس كان محتوى مؤلمٌ جدًّا بالنسبة لشخصك الكريم، والمحتوى يتصادم تمامًا مع منظومتك الأخلاقية والسلوكية والمعرفية، ممَّا جعل نفسك اللوامة تتحفّز، وهذا قطعًا أدخلك في شيء من الكرب والكدر، والذي تحدثت عنه بصورة جليّة، وفعالياتك الاجتماعية قلَّت، وظهرتْ لديك البوادر البيولوجية للاكتئاب الثانوي البسيط، وظهرتْ هذه البوادر في انخفاض الوزن، واضطراب النوم، وكذلك الأعراض النفسوجسدة مثل اضطراب القولون والصداع والآلام في الجهاز الهضمي، وكذلك الكتمة والضيقة في الصدر وضعف الرغبة الجنسية.

فالصورة واضحة جدًّا، أنت لديك القلق الوسواسي، مع اكتئاب ثانوي، أحسبُ إ-ن شاء الله تعالى- أنه من الدرجة البسيطة.

إن كان بالإمكان أن تذهب إلى طبيب نفسي فهذا أمرٌ جيد، والعلاج -إن شاء الله- بسيط، يتكون من علاج سلوكي وعلاج دوائي، وإن لم تتمكن من الذهاب إلى طبيب فيمكنني إعطاؤك الإرشادات العامة.

بالنسبة للوسواس: يُعالج من خلال التحقير، وإيقاف الأفكار، وتجاهل الوسواس، وعدم الخوض فيه، وصرف الانتباه عنه تمامًا، تحقير الفكرة يبدأ في بدايات الفكرة، أو حين تكون مجرد خاطرة، لا تخوض فيها أبدًا، خاطبها قائلاً: (أنتِ فكرة حقيرة، وسواسية، أنا لن أهتمّ بك أبدًا، أنت تحت قدمي، وهكذا)، إذًا التحقير مهم، وأن تقول كلمة (قف، قف، قف) هذا تحس بالإجهاد، أيضًا وُجد أنها مفيدة.

وهناك علاج سلوكي آخر نُسمِّيه بالعلاج التنفيري، وهو أن تربط ما بين الفكرة الوسواسية وشعور مخالف لها تمامًا، مثل إيقاع الألم على النفس، وأقصد بذلك الألم الجسدي، يعني: يمكن أن تستجلب الخاطرة أو الفكرة الوسواسية، ثم تقوم بالضرب على يدك بقوة وشدة على سطح طاولة مثلاً حتى تحس بألم شديد.

الاقتران ما بين الفكرة الوسواسية ووقوع الألم في نفس اللحظة وُجد أنه يُضعف الوسواس، لكن طبعًا هذا التمرين يجب أن يُكرر عدة مرات، حوالي عشرين مرة في كل جلسة، جلسة صباحًا وجلسة مساءً، وتأخذ الأمور في هذه التمارين بجدّية، -وإن شاء الله تعالى- يكون ذو فائدة كبيرة بالنسبة لك.

يأتي بعد ذلك حسن إدارة الوقت، وتجنب الفراغ، الفراغ الذهني أو الزمني يجلب الوساوس، لكن الإنسان إذا أفلح في تنظيم وقته -فإن شاء الله تعالى- هذا الذي بك يزول تمامًا.

أنقل لك بشرى كبيرة جدًّا، وهي أن الدواء سوف يفيدك ويفيدك بصورة ملحوظة جدًّا، أفضل دواء في حالتك هو عقار (بروزاك) والذي يُسمَّى علميًا (فلوكستين)، تبدأ بجرعة كبسولة واحدة يوميًا (عشرين مليجرامًا) تتناولها بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم تجعل الجرعة ربع مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تجعلها ستين مليجرامًا يوميًا -أي ثلاث كبسولات في اليوم- تناول كبسولة واحدة في الصباح وكبسولتين في المساء، هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفضها إلى كبسولتين يوميًا لمدة شهرين، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

وأريدك أن تُدعم البروزاك بعقار آخر يعرف باسم (رزبريادون) تناوله بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر.

وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكن ربما يكون البروزاك هو الأفضل، وهو من الأدوية الممتازة، كما أنه سليم جدًّا وغير إدماني.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً