الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأخر زواجي أصابني بنوبات من الحزن والقلق، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني مؤخرا من نوبات حزن وغضب وقلق شديدين، لدرجة أنني أشعر بالمرض وأكون مشتتة الفكر وقليلة الكلام، وأعاني من رعشات في جسدي وأبكي كثيرا، وهذا أعتقد بسبب الصد الشديد من الرجال، وعدم رغبة أحدهم بالزواج مني.

فلا أحد يهتم من الأهل بالزواج مني، ولَم يرغب أحد بالزواج مني منذ خلقت، وكأنه لا يليق بي أن يكون لي شريك وعائلة، علما أنني في حالتي الطبيعية متزنة ولا أعاني من أمراض نفسية، ويشهد لي برجاحة العقل والرزانة والإحسان للعائلة والكرم والأخلاق العالية.

أنا -بفضل الله وكرمه- مثقفة وذات شهادة عليا، أنيقة وعلى قدر من الجمال، ملتزمة -قدر المستطاع منذ صغري- بالصلاة والذكر والصدقة والدعاء، وليس لدي وقت فراغ، منشغلة في كل وقتي بالعمل الرسمي وعملي الخاص والكتابة وغيرها، أمارس الرياضة وأتفسح.

لا أعرف كيف وجد الحزن لقلبي طريقا، أحاول التخلص من الحزن وتقبل فكرة إعراض الرجال عني، وعدم الزواج وغض النظر عن الحياة العاطفية وتكوين أسرة، والاستمرار فقط في العمل، ولكن لم أتمكن إلى الآن من ذلك.

أخبرت أهلي وأبي وأخي صراحة أن يبحثوا لي عن زوج، وأنني حزينة ولا أحب الحرام رغم سهولته، فالرجال حولي في كل وقت، وأنا أريد الحلال، ولكن لم أحصل على شيء.

س: كيف أتخلص من الحزن وشعوري بموت أنوثتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عنبيه حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

أهلاً وسهلاً بك -أختي العزيزة-، شكراً لمراسلتكِ لنا وثقتكِ بنا.

أتفهم مشاعرك وقلقك الذي ينتابك ورغبتك الشديدة بالزواج، ففي داخل كل فتاة رغبة بأن تتزوج وتصبح لديها عائلتها المستقلة، أسأل الله تعالى أن يُفرح قلبك قريباً بالزوج الصالح الذي يُسعدك وتُسعديه.

• لا تخافي من الزمان وتقدم السن، حيث أودُّ هنا أن أُخبرك وليس من باب المواساة على الإطلاق، بل إنني أعني كثيراً ما أقول، من قال لك أنك تأخرتِ على الزواج وسعادته؟ العِبْرة ليست أبداً في توقيت الزواج، وليست في الزواج بحد ذاتهِ، بل هي في الزوج الصالح المناسب لكِ، وفي جاهزيتك للزواج، فكَمْ من فتياتٍ تزوّجن في أول العشرينات، ولكنهن لم يُوفّقْنَ بزواجهن، ومنهنّ من تذوّقنَ التعاسة في حياتهن، ومات لديهنّ الشعور بأنوثتهن "بالرغم من زواجهن!"، لذا أتفهم كثيراً رغبتك بالزواج ولكن حاولي أن تثقي بالله تعالى أنه يخبئ الخير لك في التوقيت الصحيح، فالعِبرة في نوعية الزواج أكثر من توقيته، وتأكّدي أن الله سيُعطيك حتى يُرضيك، فقط قوّي من ثقتكِ به، وتذكّري الحديث القدسي الذي يقول (أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظن بي ما شاء).

• من الصواب ما قُمْتِ به بأنك صارحتِ والديك وأخيك برغبتك بالزواج وهذا ليس بالشيء المعيب على الإطلاق، بل إنه لا يوجد أجمل من تعاضد أفراد الأسرة الواحدة لتحقيق احتياجات بعضهم، وإنّ تعاملكم مع بعض بهذه الأريحية الايجابية يعكس مدى متانة العلاقة الأسرية لديكم, وهذه فعلاً نعمة كبيرة أسأل الله تعالى أن يحفظها لكِ، فهناك الكثير من الفتيات اللواتي يُعانين من عدم إحساس والديهم برغبتهن بالزواج.

• أقترحُ عليكِ إنْ كان لديك ضعف في الانخراط الاجتماعي، أن تُكثّفي أكثر من انضمامك للمناسبات الاجتماعية النسائية، فهذا سيجعلك تتعرفين على عدد أكبر من الفتيات، والفتيات كما نعلم هنّ من يقمن على الأغلب بدور ترشيح عروس مناسبة من معارفهنّ لإخوانهن الشباب.

• أقترحُ عليك أيضاً إن كانت هناك امرأة في عائلتك على قدر جيد من التقدير والمكانة الاجتماعية والثقة، أن تقومي أنتِ أو والدتكِ بالتصريح لها برغبتك في الزواج من الشخص المُناسب، فهي قد تقترح اسمك على الشبان الذي يرغبون في الزواج من معارفها، وتراهم مُناسبين لكِ ومُناسبة لهم.

• من الجيد أنك منشغلة بعملك الخاص وممارسة هواياتك، فهذه نقطة أكثر من رائعة حيثُ تُشعرك بلا شك بأن وقتك مليء بالأشياء المفيدة والممتعة لك، والتي بالمقابل تشغلك نوعاً ما عن الفراغ العاطفي الذي تعيشينه، وهذه الانشغالات ستُعزز من شعوركِ بأنك إنسانة منجزة ومُنتجة في الحياة, ولديك الدائرة الاجتماعية التي تؤثّرين بها، مما سينعكس ذلك إيجاباً على تعزيز ثقتك بنفسك, وهذا ما تحتاجينه تماماً عندما تؤثر فكرة عدم زواجك إلى الآن على خفض معنوياتك وثقتك بنفسك.

• حاولي التركيز قدر الإمكان على الموجود، ولا تُركّزي على المفقود، فكّري أن العديد من الفتيات المتزوجات من يتمنين أن يكنّ لهنّ حياتهنّ الخاصة من عملٍ أو حرية مالية أو ممارسة الهوايات مثلكِ، لذا استمتعي بحياتك الحالية وحاولي أن تستفيدي من كل الخبرات الحياتية التي تمرّين بها وتأكدي أنّ الله تعالى يهيئكِ بخبراتك الحالية التي تكتسبينها لتكوني جاهزة لخوض خبراتك وتجاربكِ القادمة بنجاح.

• من الأمور التي ستُعينكِ كثيراً على تجاوزكِ لمشاعر القلق ونوبات الحزن التي تمرّين بها بسبب عدم زواجك إلى الآن، هي الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وقوة الإيمان والثقة واليقين بعطاء الله، لذا اسمحي لي أن نستحضر ونتشارك سوياً هذه الأفكار الجميلة:

- ثقي بالله أنه يريد لك الخير، وأنه يُخفي لك في القدر ما هو خيرٌ لكِ، ولكنه لم يكشفه لك الآن، ولو كُشِفَ لك غطاء الغيب لَمَا اخترتِ إلّا الواقع، أي إنَ الله يُقدّر لنا دائماً الخير على اختلاف أشكال هذا الخير وتوقيته بالنسبة إلينا.

- إنّ الزواج نوع من أنواع الرزق، رزقٌ من الله، يمنحه لمن يشاء، ويسلبه عمّن يشاء، وإن الله تعالى يعلمُ الرزق أو النعمة "سواء زواج أو غيره" التي يُنزلها علينا إن كان بها خيراً لنا أم لا، إذا بها خيراً يُنزلها، وإذا لا فيمنعها، فالتي تزوّجَتْ في توقيت معين فهذه لحكمة ربنا أنّ الزواج في ذلك التوقيت ينفعها وفيه خيرٌ لها، أمّا من لم تتزوج إلى الآن، أي مُنِعَ عنها الزواج ولم تُوفق للزواج بالرغم من بذل الأسباب، فإنّ الله يعلم علم الغيب، ويعلم أن الزواج لا خير فيه لها حينها، وأنه صَرَفَ عنها السوء والشر في ذلك التوقيت.

- الزواج كونه رزقًا من الله فهو يأتي في الوقت الذي يريده الله لا في الوقت الذي نريده نحن، وعلى الطريقة التي يريدها الله، لا على الطريقة التي نريدها نحن، فالرزق والزواج مثل الجنين، ينزل في الوقت الذي يقدّرهُ الله، ولا نستطيع نحن أن ننزله قبل أوانه "تسعة شهور"، فحينها سينزل ميتاً أو خُدّجاً يحتاج لعناية خاصة، هكذا هو الرزق، لذا اتركي الرزق كالجنين يأتي في الوقت الذي يريدهُ الله، فيأتيكِ كاملاً مباركاً فيه، وتذكّري الحديث الذي يقول (لا تُرضِينَّ أحدًا بسخطِ اللهِ ولا تحمَدنَّ أحدًا على فضلِ اللهِ ولا تذُمَّنَّ أحدًا على ما لم يؤتِك اللهُ فإنَّ رزقَ اللهِ لا يسوقُه إليك حرصُ حريصٍ ولا يردُّه عنك كراهيةُ كارهٍ وإنَّ اللهَ بقسطِه وعدلِه جعل الرّوحَ والفرَجَ في الرِّضا واليقين وجعل الهمَّ والحزَنَ في السُّخطَ).

- لفتت انتباهي جملتكِ (لا تحبين الحرام رغم سهولته) وهذا يعكس قوة إيمانك وخشيتك لله وحبك له ولأوامره، لذا كوني على ثقة أن الله تعالى سيعوضك خيراً وكل الخير، كما ورد في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) رواه أحمد ( 21996).

- أخيراً هذا الإيمان والثقة واليقين بعطاء الله سيُزيلُ جميع مخاوفك بإذنه تعالى، ولا تنسي التقرب إلى الله بالدعاء والاستغفار والصدقة والعمل الصالح.

ختاماً: أدعو لكِ بكل الخير في حياتكِ وراحة البال، وأتمنى أن لا تترددي في مُراسلتنا مُجدداً إن كانت لديكِ أية استفسارات أخرى.

في أمان الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً