الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صرت أرى أن زواجي غير موفق، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا أعيش في وضع صعب جداً، وأمي تسمعني كلاماً يومياً عن زواجي غير الموفق لاعتراضهم عليه من البداية، ونفسيتي الآن متعبة جداً.

أتمنى الموت أحياناً، أتمنى الخلاص من كل ما أنا فيه، وحالة زوجي المادية الآن وسفره لا تسمح لنا بالاستقرار.

أفكر بالانفصال، ومع ذلك سأبقى عند أهلي وأتعرض للوم يومياً، فماذا أفعل بوضعي هذا؟ تعبت جداً، ما الحل بهذا الوضع؟ أتمنى لو أني لم أصر على هذا الزواج من البداية، فما الحل الآن؟

يا رب يسر لي أموري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بيان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً وسهلاً بكِ أختي الكريمة, سأحاول تلخيص أفكاري ضمن النقاط التالية, داعية الله تعالى أن تجدي فيها الفائدة.

-أتفهم كثيراً تلك المشاعر المتضاربة التي بداخلك, وأتفهم تعبك النفسي جرّاء وضعك غير المستقر, فأنت بالاسم متزوجة, ولكنك لم تعيشي بعد شيئاً من متَع الزواج والعيش المشترك سواء الاستقرار والمشاركة والمساندة, ولكن بالمقابل نحن نعلم أن الحياة عموماً ليست بالطريق السهل, حيث تواجهنا فيها الكثير من العراقيل والصعوبات التي علينا أن نتحملها, ونصبر في مواجهتنا لها, لذا أدعو الله الكريم أن يرزقك الحكمة والصبر والحياة الزوجية المستقرة عن قريب.

-إن وجود العراقيل في زواجكما منذ بدايته لا يعني على الإطلاق أنه زواج غير ناجح, فكم من زواجٍ قد بدأ بطريقة تقليدية وسهلة ولكن لم يكمل الزوجان حياتهما سوياً بسبب الخلافات الشخصية, وكم من زواج قد واجهته في البداية الصعوبات في الظروف ولكن استمر الزوجان سوياً نتيجة وجود التفاهم والوفاق النفسي والشخصي بينهما.

هذه السنة قد تكون محنة لكما أنتما الاثنان, ومن ثم تُفرج عليكما, وتعيشان سوياً وتكونان الزوجين الصالحين لبعض, وتُسعدان سوياً, أي: لا تحكمي على مصير حياتك الزوجية من خلال السنة الصعبة التي مرت عليكِ, وخاصة أن الوضع الصعب لأغلب البلدان العربية في السنوات الأخيرة قد جعلت أمر السفر شبه طبيعي جداً لكل المتزوجين, وبالمقابل موضوع الفيزا ليس بالأمر السهل, وهذا يتطلب الصبر والحكمة من كلا الزوجين ليتجاوزا هذه المرحلة الصعبة, وأظن أنه قد يخفف عنك قليلاً أنّ هناك العديد من القصص المشابهة لكما, أي التي تزوجت ولكن تأخرت الفيزا للزوجة لسبب أو لآخر, وهي تنتظر في بلد, والزوج في بلد آخر, ومن ثم فُرجت عليهما بعد فترة طالت أو قصرت, وكُتب لهما العيش سوياً والتوافق النفسي والاستقرار والسعادة.

-أعلم أن تواصلكما أنت وزوجك مع بعض في هذه السنة هو عن بُعد, ولكن غالباً أنكما تتواصلان يومياً عن طريق الانترنت لفترات طويلة, لذا هناك بعض النقاط التي أريدك أن تفكري فيها وهي (كيف وجدتِ تعاملكما سوياً؟ / كيف وجدت مناقشتكما للصعوبات؟ / كيف وجدتِ قدرتكما على احتوائكما لبعض في الخلافات؟ / كيف وجدتِ صبركما على بعض؟ / كيف وجدت تفهمكما لبعض في حالتكما النفسية السلبية من انزعاج, غضب, حزن, يأس؟).

هذه الأمور من المهم تفكيرك فيها وإدراكك لها, فهي تساعدك في زيادة فهم علاقتكما, ومعرفة نقاط القوة التي عليكما التمسك بها, ونقاط الضعف التي عليكما العمل عليها لتصبح أفضل مستقبلاً "إن عشتما سوياً بإذن الله".

-إنّ المشاكل والخلافات في أي علاقة زوجية يجب أن تُناقش بين الزوجين فقط, دون أي تدخل خارجي, والأهم أثناء علاج المشكلات أن يكونا سنداً لبعض ومتفهمين لبعض في جميع حالاتهما وأن يفكّروا بأنهم أصبحوا فريقاً واحداً ولم يعودوا شخصين كما قبل الزواج, فهذه المفاهيم هي بمثابة الأسس المتينة للعلاقة الزوجية ليكونوا مستقبلاً دعماً وسنداً حقيقياً لبعض في الضرّاء والسرّاء.

-أتفهم تماماً الضغط النفسي الذي تعيشينه نتيجة كلام أهلك ولومهم لك, وخاصة أنك مازلت تعيشين معهم في نفس المنزل, وهذا الأمر ليس بالشيء السهل, فنحن الإناث نتأثر بطبيعتنا من كلام أهلنا, ولكن من المهم أن تعرفي أن الأهل من محبتهم الكبيرة لبناتهم فهم لا شعورياً يتحيزون لهم عاطفياً, ويتمنون لهم الحياة السعيدة المثالية الخالية من أية مشكلات وخلافات وعراقيل, لذا فلا لوم عليهم, ولكن الدور والمسؤولية يقع على عاتقك أنت, بأن تفكري حيادياً بزواجك ووضعك, فأنت الوحيدة التي ستصرف فاتورة السعادة الزوجية أو العكس لا قدّر الله "وليس أهلك", لذا أتمنى منك أن تفكري جدياً ومُطوّلاً مع نفسك, قبل طرح فكرة الانفصال كخيار من الخيارات, وتذكّري أنّ الانفصال والهدم هو شيء بغاية السهولة على الإنسان بطبيعته, ولكن الصعوبة تكمن في الندم على قرار الانفصال لاحقاً, لذا فكري مرة ومرتين وثلاثاً قبل العزم على الانفصال, فقد تُفوّتي على نفسك فرصة العيش مع رجل قد يكون هو من يكملك ويحبك ويتفهمك ويسعدك لو استقريتما سوياً.

-لذا أتمنى منك أن تجلسي مع نفسك جلسة هادئة, وتسألي نفسك ما هي الايجابيات الموجودة لدى زوجك, وحاولي أن تكوني حيادية مع نفسك, وغير متحيزة أو متأثرة لضغوطات أهلك وكلامهم, واعلمي أنك الوحيدة المسؤولة عن خياراتك, سواء بالبقاء مع زوجك, أو بالانفصال عنه, لذا كوني صادقة مع نفسك, واكتبي جميع الايجابيات التي لمستِها في علاقتكما, فهذا سيساعدك كثيراً أن تكوني عادلة مع نفسك أثناء تفكيرك، بالموضوع.

-أخيراً اعلمي أن رغبتك بالخلاص من الوضع الراهن الذي تعيشينه هي التي تدفعك للتفكير بالطلاق, أي تلجئين للتفكير إليه كردة فعل وليس رغبة حقيقية منك لإنهاء هذه العلاقة, لذا فكّري مُجدداً مع نفسك هل هناك أسباب حقيقية تهدد أمن علاقتكم الزوجية فعلياً لتصلوا إلى خيار الطلاق؟ وهل حاولت أنت وزوجك فعلياً بالبحث عن حلول للمشاكل الموجودة بينكما ولكن لم تجدي نفعاً, ما أحاول قوله: أن تبذلوا الجهد الكافي لاستقرار زواجكم, فتأكدي أن أية زواج مستقر وسعيد لا يأتي بالسهولة على الإطلاق, بل يخبئ وراءه جهدا كبيرا من كلٍّ من الزوجين.

بعد أخذك لكامل الأسباب أتمنى منك أن تُصلّي صلاة الاستخارة, فالله وكيلنا وحسبنا في جميع أمور حياتنا, وأدعو الله تعالى أن يختر لك الخير ويُرضيكِ به.

أتمنى أن لا تترددي في مُراسلتنا مجدداً في حال وجود أية استفسارات أخرى وللاطمئنان عنك, دمتِ برعاية الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً