الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي بارد ولا يعطي قيمة لأبنائه وأمي تبلغه بكل شيء عنا!!

السؤال

سلام تام لكل المشرفين على هذا الموقع الرائع والمتميز.

أود أن أتقاسم معكم جزءاً من مشكلتي مع أقرب الناس إلي، مع من كانا سبباً في وجودي ومجيئي إلى هذه الدنيا -الوالدين- ألخص لكم تلكم المعاناة، فأنا متزوج وأب لطفلتين، وبعمر أربع وثلاثين سنة، ومنذ أن وعيت على هذه الدنيا وأنا -والحمد لله- مضرب المثل في الأخلاق وحسن المعاشرة لكل من أنتمي إليه بصلة، سواء عائلية أو صداقة أو حتى معرفة عابرة، وهذا من فضل الله علي.

مع مرور الأعوام بدأت علاقتي بأهلي -وهنا أقصد أبي وأمي وأخي- توصف ببعض الفتور، وذلك راجع لقسوة أبي ومزاجه الصعب تجاه الكل، وضعف أمي، ومشاكل أخي التي لا تنتهي، لتضاف إليهم مشاكل أختي المرتبطة أساساً بفترة المراهقة.

بحكم أني الأوسط بين إخوتي كنت أحاول أن أتجنب قدر الإمكان التسبب في المشاكل لأهلي، وكنت موفقاً في ذلك، والحمد لله بملازمة المسجد وحلقات العلم واجتهادي في المدرسة، كل ذلك مكنني لأن أكون ناضجاً قبل عمري بشهادة محيطي، المهم مشاكلي تزداد عندما بدأت ألاحظ ابتعاد والدي عنا، وتجنب الحديت معنا ومشاورتنا، كما أرى عند أقاربي، حيث إن آباءهم يأخذون آراءهم في الصغيرة والكبيرة.

أصبح أبي يعطي قيمة بل يفضل كل شخص غريب علينا، بحيث يكون لطيفاً مع الآخر، بينما نحن يتعامل معنا ببرود! أما أمي فلا تحرك ساكناً، بل أكثر من ذلك فهي تبلغ أبي بكل صغيرة وكبيرة، وتعمقت مشكلتي حين تزوجت، مما دفعني إلى الانفراد بزوجتي وأبنائي الذين لا يسألون عنهم إلا نادراً، سؤالي -أساتذتي-: هل أنا عاق لوالدي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زهير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – أيها الأخ الفاضل – ونشكر لك حسن العرض للسؤال، وهنيئًا لك بثناء الناس عليك، وهذا دليل على أنك متميّز، ونتمنّى أن يستمر هذا التميُّز بالصبر على والديك والإحسان إليهم، والإصرار على القرب منهم، لأن الإنسان ينبغي أن يُدرك أن بر الوالدين عبادة، كونها عبادة لا تتوقف على ما يحصل منهم، بل تتوقف على إرضاء الله تبارك وتعالى الذي أمرنا ببرِّهم والإحسان إليهم.

أيضًا نبشّرك بأن بر الوالدين العبرة فيه بأن يقوم الإنسان بما عليه، سواء رضي الوالد أو لم يرض، رضيت الأم أو لم ترض، المهم هو ألَّا نُقصّر نحن في القيام بما علينا كاملاً من الاهتمام والسؤال والحفاوة والمساعدة والقُرب وتطييب الخاطر، وتحمل ما يصلنا من الأذى، وقدوة الصالحين الأخيار والموحدين الأطهار في ذلك هو خليل الرحمن، الذي كان يُلاطف والده رغم كفره وشركه وعناده، كان يقول: {يا أبت ... يا أبت ... يا أبتِ} بل لمَّا زجره الأب قال: {لئن لم تنته لأرجمنّك واهْجُرني مليًّا} قال الخليل بلطفٍ: {سلام عليك سأستغفر لك ربي}.

لذلك أرجو أن تتمثّل هذه الأدوار الرائعة في المبالغة في القُرب من الوالدين، والقيام بما عليك، وبذل المساعدة التي تستطيعها، والإحسان إلى إخوانك إذا كان ذلك يُرضيهم، لأن هذا واجب عليك، كل ما يُرضي الوالدين ويجلب لهم السرور ينبغي أن تسارع إليه.

احرص دائمًا على الاهتمام بهم وزيادة الاهتمام بعد الزواج وبعد البُعد عنهم، دائمًا نحن ننصح مَن يتزوج إذا كان يزور والديه صباحًا ومساءً؛ بعد الزواج نقول: اجعل الزيارة أربع مرات، يُضاعف البر الذي كان حاصلاً، حتى نسدّ الطريق على شياطين الجن وشياطين الإنس، فإن هناك من يقول: (فلانٌ بعد الزواج لا يأتيكم، لا نراه، لماذا لا يهتم بكم) ونوع هذا الكلام.

أيضًا الوالد والوالدة قد يكون عنده شيء من الحساسية عندما يشعر أن الشاب المتزوج اهتمّ بزوجته وأولاده وتركهم، ولذلك الشرع الذي يأمرك بالإحسان لزوجتك وعيالك هو الشرع الذي يأمرك قبل ذلك وبعده بالبر للوالدين والإحسان إليهما.

إذا قام الواحد مِنَّا بما عليه تجاه والديه، واجتهد، وحاول، وساعد، وسأل، وزارَهم، حتى لو ردُّوه من الباب، وحتى لو لم يُكلِّموه، ... ولو .. ولو، هو يؤدي ما عليه، هذا له العزاءُ في قول الله تعالى في ختام آيات البر: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} من الرغبة في الخير والبر والإحسان، {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورًا}، فالإنسان قد يُبتلى بأبٍ أو يُبتلى بأُمٍّ من الصعب أن يُرضيهم، العبرة بأن يؤدّي ما عليه، العبرة بأن يؤدّي واجبه كاملاً من الناحية الشرعية.

لا تُقصِّر في أمر والديك، ولن تُعتبر عاقًّا إذا قمت بما عليك من السؤال والمساعدة والاهتمام والاحتفاء والقُرب، وشجّع زوجتك أيضًا وأولادك على زيارة والديك والاهتمام بهم، والصبر عليهم، والإحسان إليهم، لأن هذا كله من البر، وإذا لم يصبر الواحد مِنَّا على والديه فعلى مَن يكون الصبر، ولا تخبر زوجتك بكل هذا، واجعلهم خارج الخلافات العائلية الخاصة، والمطلوب هو تهدئة الأمور.

نحن ننتظر من المتميزين أمثالك أن يكون لهم بصمات على الوالدين وعلى الإخوان الآخرين، وأن تكونوا قدوة لغيركم في البر، ولا يكلف الله نفسًا إلَّا وسعها وإلَّا ما آتاها، ونكرر لك الشكر على هذا السؤال الذي يدلّ على خير ورغبة في الخير، ونسأل الله أن يوفقك ويسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات