الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحس بالإحراج كثيرا ولا أستطيع مواجهة الناس، فهل من حل؟

السؤال

السلام عليكم..

أعاني من كثرة الحرج، وأخاف مواجهة الناس، علما أنني قبل 5 سنوات كنت شخصا طبيعيا بالكامل، ومع مرور الوقت أصبحت أكثر حساسية، وأشعر بالوهن والذل، كما أنني لم أعد أستطيع التعبير عن رأيي كما في السابق ولا أستطيع رد إهانة الناس لي، فبماذا تنصحونني؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إلياس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يتأثر "مفهوم الذات" عند الإنسان تبعاً للظروف التي يمر فيها، فقد نمر بظروف تجعلنا أكثر ضعفاً وأقل تماسكاً وجرأة، وهذا هو الوضع الطبيعي للإنسان الطبيعي الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة.

ولكن غير الصحي هو أن تسيطر علينا مشاعر تدني مفهوم الذات، والحرج من الآخرين، وعدم القدرة على الرد، فإذا استمرت هذه المشاعر والسلوكيات، نصبح أشخاصا غير متكيفين مع أنفسنا ومجتمعنا. وهنا تبدأ معاناتنا مما يُشعرنا بالفشل وعدم القيمة.

أخي العزيز: تُقاس "قيمة الذات" عادة بالأداء في المدرسة والعلاقات الاجتماعية وفي العمل، والتجارب الناجحة والمدح والتقدير، والرفاق الذين نستمد منهم الطاقة الإيجابية، جميعها عوامل تساعد في بناء الشخصية الإيجابية القوية، وعلى العكس، فإن التجارب الفاشلة، والتأنيب والنقد السلبي من المحيطين، والرفاق الذين لا يمتلكون خبرات إيجابية، وعدم التوكل بشكل تام على الله، وضعف التفاعل الاجتماعي، جميعها عوامل تُساهم في خفض مفهومنا لذواتنا وتجعلنا أكثر حساسية وانعزالاً وهروباً من المواجهة الإيجابية للأحداث والظروف اليومية في حياتنا.

إن من الأسباب التي تقف وراء "الخجل"، " وتدني مفهوم الذات"، والحساسية الزائدة": انتقاد الشخص بطريقة سلبية وباستمرار من قبل والديه وأسرته أو الآخرين، التعرض للإغاظة والاستهزاء، عدم ثبات الوالدين في تنشئة أبنائهم، حيث تتراوح التنشئة بين الشدة والتساهل، وشعور الشخص بعدم الكفاءة ، وتوقع الشخص الشيء الكثير من الآخرين، أو أن يبني في مخيلته توقعات غير واقعية مما يجعله عرضة للإحباط في حال أن هذه التوقعات لم تتحقق أو لم تحدث.

أخي العزيز، فيما يلي بعض المقترحات العلاجية العملية التي تساهم، في حل المشكلة بإذن الله:

1- عليك إعادة التفكير بالتغييرات التي حدثت في حياتك في السنوات الخمس الأخيرة، من حيث الأشخاص الذين دخلوا حياتك وأثروا فيها، ومن حيث الظروف التي مررت بها. والتعرف على مكامن الخلل في هذه الفترة من حياتك.

2- حاول قدر الإمكان ألا تكون اتكالياً في تدبير شؤون حياتك، بل قم أنت بما يجب عليك فعله.

3- الحساسية الزائدة: واجه الأفكار غير المنطقية، فالكثير من المشكلات التي نواجهها وتؤثر فينا بشكل كبير إذا كنا لا نتعامل معها بشكل عقلانيّ، بمعنى أن حجم المشكلة يكبر نتيجة لتفسيراتنا التي نتبناها حول تلك المشكلة، فطريقة التفسير المبالغ فيها أحياناً لما نواجهه من مشكلات ومتاعب وردود فعل الآخرين تكون سبباً في زيادة حساسيتنا، لذا عليك اتباع أسلوب "تقليل الحساسية التدريجي"، والذي ألخصه لكل بشكل مبسط" وهو: إحداث استجابة بديلة تتناقض مع استجابات الحساسية والقلق، فعندما تشعر بالقلق حاول فوراً أن تسترخي، وعندما تحس بالخجل حاول أن تكون مبادراً وجريئاً، عندما تشعر بالضعف حاول أن تنهض وتواجه الموقف" وبالتدريج سترى أن سلوكياتك تغيرت إلى الأفضل.

4- الحديث مع الذات: عندما يصدر الأشخاص عبارات تُشعرك بالحساسية الزائدة، هنا عليك أن تحدد الأفكار غير المنطقية، وأن تستخدم التعبيرات الذاتية المناسبة لتصحيحها، فعندما يقول لك أحد الأشخاص أن طريقتك في التعامل مع الموقف كانت خاطئة، فعليك أن تفكر بدلا من أن تنزعج، وهذا التفكير هو الذي سيعدل من سلوكك في المرات القادمة، فحديثك مع ذاتك قد يكون عل نحو (إن تعاملي مع هذا الموقف بطريقة خاطئة لا يعني أنني لا أجيد التعامل نهائيا في جميع المواقف)، إن التحدث مع الذات سيساعدك في تحقيق هدف مفيد هو خفض الشعور بالعجز لديك.

5- ابحث في ذاتك عن نقاط قوتك، وأين مكامنها؟ ولا تبحث فقط عن نقاط الضعف، وحاول استغلال نقاط القوة وتوسعة مجالاتها، فهذا سيجعلك شخصا اجتماعيا أكثر مع الآخرين، وأكثر تفاعلاً وكفاءة، وهذا سيبرز مهاراتك وابداعاتك التي تكمن في شخصيتك، ويجعلك أكثر قبولاً للآخرين.

6- تدرّب وتعوَّد على قول كلمة "لا" عندما لا يتفق الموقف مع ذاتك ومع أفكارك، ولا تُجبر نفسك على مجاراة الآخرين إذا كنت غير مقتنع بما سيقومون به أو يقولونه، ولا تقم بشيء لا تحبه، وكن واضحاً للآخرين وقل "لا" بصوت عالٍ مليء بالثقة.

7- حاول أن تشترك بنشاطات أو مهارات جماعية مثل: اللعب في فريق كرة الحيّ الذي تسكن فيه، الاشتراك في نادي للسباحة، أو أي نشاط رياضي يتضمن مجموعة من الذين هم في عمرك.

8- رد الإهانة: ليس من المنطقي أن يهان الإنسان ويصمت، بل عليه أن يرد الإهانة عن نفسه، ولكن ما يحدث أحيانا أننا نتواجد في أماكن لا تتناسب مع مستوانا التعليمي والأخلاقي، أو نصاحب أشخاصا معينين لا يتوافقون مع أفكارنا وتنشئتنا الأسرية، مما يجعلنا عرضة لتلقي الإهانات، وهذا نتج من أننا لم نضع "الذات" في المكان الذي يليق بها، لذا عليك التفكير كثيراً من الآن وصاعدا بالأشخاص الذين تتعامل معهم من حيث أخلاقهم وأعمارهم وتوجهاتهم، وبالأماكن التي ترتادها، وعليك البدء بالتغيير من ذاتك وليس من الأشخاص.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً