الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل هنالك تعارض بين التفوق في الدراسة لأجل المجد وبين الإخلاص؟

السؤال

السلام عليكم مشايخنا الكرام.

أريد أن أكرس حياتي لخدمة الدين، المشكلة أنني أجد نفسي تحدثني بطلب الدنيا من مال وجاه، خصوصاً وأنا طالب متميّز في دراستي ولديّ امكانيات، فوضعت لنفسي أن أطلب المال والجاه من الحلال، ولا أطلبهما من العبادات، بمعنى أن آخذ من الدنيا ما يجعل فكري يصفو، ويجعل همتي تتوجه إلى الله عز وجلّ، فأنا أريد أن أطلب من الدنيا ما يقطع أملي فيها، وأنا أخاف من هذا الأمر، وأخاف من أن أكون غير مخلص، وأن يكون هذا مجرد مبرر وضعته لنفسي كي أطلب متاع الدنيا، فهل أعتبر آثماً إذا أخذت من الدنيا ما أتحصل به إلى مكانة وجاه في أعين الناس كي أثبت أني شخص ناجح، وأحقق ذاتي؟ ثم بعد ذلك أنا متأكد أنني سأزهد في الدنيا، ولن تزن في قلبي جناح بعوضة.

للعلم فأنا طالب متميّز في دراستي، والأول على مدرستي التي تعد من أفضل مدارس البلاد، وتشتهر بالامتحانات الصعبة، والحمد لله كنت متفوقاً ومشهودا لي من جميع الأساتذة، إلا أنه مؤخراً كان هناك امتحان مهم، وهو الذي يحدد أي الجامعات سأدخلها، وكنت جاهزاً، وأخذت بالأسباب، وكنت أتوكل وأدعو الله، وأحسن الظن بالله أني سوف أحرز معدلاً عالياً، وكنت مؤمنا ومتيقناً لأقصى درجة من ذلك، ثم صُدمت بنتيجة أقل بكثير مما كنت أتوقع، هذا الأمر كان غير منطقي نهائياً، وكل من كانوا يعرفونني كانوا يقولون: ظلموك في التصحيح وما شابه، وهذا الأمر أصابني بكثير من الألم؛ لأني خيبت ظن والديّ، وأصبح أساتذتي وزملائي يزدرونني وينتقصون مكانتي، وقد أصابني الكثير من أذى الشامتين والحسّاد، فأصبحت أخاف من القدر وأنه يمكن أن أجتهد ولا أحصل على أي شيء، فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو بكر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا وسهلا بكم بك في موقعنا، وأسأل الله أن يوفقك إلى كل خير، والجواب على سؤالك الأول:

- أنا أحيي فيك رجاحة عقلك وحسن تفكيرك كونك تفكر في طلب العلم الشرعي وخدمة دينك، وتريد أيضا أن تكون مستقرا ماديا من أجل كفاية نفسك.

- ولا شك أن طلب العلم الشرعي له أهميته البالغة، فابدأ بدراسة ما لا يسع المسلم جهله في أمور العقيدة وأصول العبادات والأخلاق، ثم اشرع بطلب العلم بحسب رغبتك في أي مجال من مجالاته المتعددة.

- كونك تريد أن يكون لك عمل مشروع من أعمال الدنيا من وظيفة ونحو ذلك، وقصدت أن تكسب كسبا حلالا، وأن يكون لك ما يكفيك منها، فهذا أمر حسن، وأنت قد نويت الزهد عن ما حرم الله أو عن ما يشغلك عن طاعة الله، فأنا أنصحك أن تسير في فيما تصبو إليه، واستعن بالله، ولو حدث أن أُعجب الناس بتفوقك ونجاحك ، فهذا لا علاقة له بالخوف من الرياء، ولا تفكر في هذا؛ لأن أمور الدنيا ليست أمورا عبادية إنما هي أمور مشروعة مباحة، ولا يشترط فيها الإخلاص.

- وأما الجواب على سؤالك الثاني:
- فلا شك أنك قد بذلت السبب حتى تكون متفوقا، ولكن ما حدث أمر غريب، وهو أمر متوقع في في هذه الدنيا، وقد حصل لغيرك من قبل، والذي يلزم عليك الآن:
* أن تقول: "قدر الله وما شاء فعل"، وتقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها"، فإذا قلت هذا الدعاء هون الله عليك مصابك، وكتب لك أجر الصبر، وأصلح من حالك في المستقبل.

* كما أن عليك إن أمكن أن تتقدم بتظلم إلى الجهة المعنية لإعادة النظر في النتيجة وتدارك ما حدث من خطأ في حقك.

* وعندي أمل أن النتيجة التي حصلت عليها أنها أيضا نافعة، ويمكنك أن تدخل بها المجال الذي تطمح إليه، فإن كان كذلك، فهذا أمر يجعلك في غاية السرور، والفرح، ويبعد عنك الحزن.

* ومما أنصحك به أنك إذا رغبت في تحسين النتيجة، فهناك من الطلاب من يعيد العام الدراسي، ويحقق نتيجة أفضل، ففكر في هذا الأمر.

* لا تلتفت إلى ما يقوله الناس عنك، فأنت لم يحصل منك خطأ، وما حدث خارج عن إرداتك، فقد بذلت السبب في تحقيق النتيجة التي كنت ترغب بها، ولكن مع المدى ستنتهي تلك التعليقات، فلا تفكر فيها ولا تلق لها بالا، وإذا كان يؤلمك ما يقولون فيك، فأكثر من قول: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وسيُذهب الله عنك ما تجد من ألم.

- وأخيراً جاء في آخر كلامك، أنك قلت "فأصبحت أخاف من القدر وأنه يمكن أن أجتهد ولا أحصل على أي شيء، فما الحل؟ والجواب: لا تخف من قدر الله تعالى، فالله لا يقدر لعبده الصالح الذي بذل السبب المشروع في تحقيق ما يريده، لا يقدر له إلا كل خير، وما جرى لك هو خير، ولا بد من التفكير في جوانب الخير فيه، فمن ذلك أن الذي حدث ابتلاء وإذا صبرت واحتسبت، فهذا خير، ومن جوانب الخير أن تعرف أن هذا واقع المجتمعات، فهناك ظلم يقع على بعض الطلاب المتفوقين، وإذا صرت في موقع القرار في بلدك واستطعت أن تغير من هذا فافعل، ومن جوانب الخير أنك قد بذلت السبب في التفوق، فإذا نزلت قليلا عما كنت تريده، فأنت ما زلت من المتفوقين، ولعلك قد حصل لك شيء من الذهول أثناء الأمتحان ولم تحسن الإجابة، والخلاصة لا يجوز لك أن تخاف من قدر الله فهو خير لك في كل حال، وفي حال التعثر فابحث عن الخلل في حياتك وفيما حولك.

كان الله في عونك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً