الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من فراغ كبير أفسد علي حياتي اليومية، أشيروا علي بنصحكم.

السؤال

السلام عليكم

أعاني من فراغ كبير في حياتي اليومية ولا أجد ما أفعله، وإذا حاولت الاهتمام بعمل ما، من تعلم شيء جديد أو القيام بأي عمل، فإني لا أجيد ذلك، ولا أتمكن من الثبات عليه والمواصلة، كوني شخصا انطوائيا -وإن كنت لا أتحرج من هذا- إلا أنه يزيد صعوبة ما أعانيه قليلا، قد لا أستطيع في شكواي أن أقدم أكثر من إشارات لبعض ما أعانيه فقط، وهذا جزء من شخصيتي على كل حال.

صحيح أنني درست بالجامعة لكن بلا فائدة، وصحيح أيضا أنني كنت متفوقا في بعض مراحل عمري في الصغر، ولكن هذا أيضا لا منفعة كبرى فيه، انفتح الإنترنت علي بفضائه ومفاسده الكثيرة التي تستهويني بشدة، وهذا يقلقني، فقد أصبحت أحب أمورا سيئة لم أكن أفعلها سابقا مطلقا.

أريد إيجاد عمل ولا أعرف كيف، ليس لدي طموح أود الوصول إليه، ولكن شغل نفسي فحسب، ضقت ذرعا من كوني معتمدا على أهلي في إيوائي وإطعامي كل يوم، فأنا بحق عالة عليهم في هذا الشأن، هل يجب أن أفكر في الزواج؟ فأنا لا أهتم أبدا لشيء اسمه بناء أسرة والاعتناء بها، أو جلب زوجة تهتم بي، وإن كنت أفكر في الزواج أحيانا والجماع بطريقة مباحة لا أكثر، وهذا يثير القرف بحق، لا أمارس الرياضة ولا أريد ممارستها.

أتمنى لو كنت شخصا نشيطا، ولكن عند التفكير فليس هناك هدف مهم أحب أن أبلغه، لو تخلصت من الكسل، أنا دائم التفكير وهذا يزعجني؛ لماذا لا يطاوعني عقلي في لا مبالاتي ويستمر في طرح أفكاره النيرة علي؟

أشكر إنصاتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سيف الدين حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

يجب أن توقن أنك لم تخلق عبثا بل خلقت من أجل غاية سامية وهي عبادة الله سبحانه كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، فعليك أن تحقق هذه الغاية وهي القيام بعبادة الله وفق ما جاء به رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام فالعبادات لا تنفع صاحبها إلا بشرطين أن تكون خالصة لوجه الله وأن تكون صوابا موافقة لما جاء به -عليه الصلاة والسلام-.

الإنسان مستخلف في هذه الأرض فيجب عليه أن يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه، ومن ذلك أن يشارك في هذه الحياة بحيث تكون أعماله مباحة، وأن يبتعد عما يغضب الله تعالى، فالمؤمن موقن أن الله يراه ويراقب أفعاله فلا يضع نفسه إلا في المكان الذي يحب الله أن يراه فيه.

يجب عليك أن تبحث عن عمل؛ فإن العمل سيقضي على الفراغ الذي تعاني منه، فإن لم تجد وظيفة فتخير من العمل الحر ما يناسبك، وعليك أن تخرج من البيت، فإن الانطواء والتقوقع فيها يعيق إبداعك، وبهذا ستبقى عالة على أسرتك، وقطار الحياة يمضي ولن تفيق إلا وقد فاتك.

فعل ما يغضب الله من أسباب حلول البلاء في صاحبه، ومن ذلك أن يصير الشخص تائها لا يكاد يكمل عملا واحدا.

اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح فالحياة الطيبة لا توهب إلا لمن آمن وعمل صالحا يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

اجتهد في تخير الأصدقاء الصالحين، فإن الصديق الصالح يدلك على الخير ويعينك عليه، وإن زللت أخذ بيدك.

التوبة من الذنوب مما سيعينك على تحقيق أهدافك، فالمقيم على المعصية لا يفلح ولا يوفق.

اقتدِ بالصالحين في حياتهم فلست أقل منهم، وعليك أن تفكر بجدية في إنشاء أسرة صالحة، وأن تبحث عن وظيفة أو عمل خاص بك، فإن الله أمر عباده أن يسعوا ويفعلوا بالأسباب، فإن العبد إن قعد في بيته وتمنى على الله الأماني فلن يتحقق له شيء، ألا ترى كيف قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا)، فأمر سبحانه بالعمل بالأسباب.

اشترك في إحدى النوادي الرياضية ومارس المتاح من أنواع الرياضة، فإن لم تستطع فاخرج إلى الأماكن العامة التي يمارس فيها الشباب الرياضة فذلك سينشطك، فإن ذلك سيثمر عندك نشاطا -بإذن الله تعالى-.

المشكلة هي مشكلتك أنت، ولذلك فأعنْ نفسك على الخروج مما أنت فيه، ولن يعينك أحد ما لم تعن نفسك، والمسألة تحتاج منك إلى همة وعزيمة، وأن تبدأ بالخطوة الأولى وإن كانت ثقيلة لكن هكذا هو العمل يبدأ ببطء ثم ينطلق.

استعن بالله ولا تعجز، وكن متوكلا على الله في جميع أمورك، ومستعينا به فمن توكل عليه كفاه ومن استعان به أعانه.

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسل ربك أن يعينك وأن يأخذ بيدك وأن يحقق لك أمانيك.

إن بقيت تتمنى على الله الأماني فلن يتحقق لك شيء ما لم تبدأ بالعمل بالأسباب ومنها أن تخرج من الحالة التي أنت فيها.

نسعد بتواصلك ونسأل اله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً