الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أكسب محبة الناس لي وخاصة أهلي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا الابن الأصغر من بين ٣ أخوات وأخ يكبرني بثلاث سنوات، وهو الأقرب لي في العمر، أخي شخص محبوب من الجميع، ومشهود له بالأخلاق والنبل منذ الطفولة -وأحسبه عند الله كذلك- أحب أخي جدا وهو أقرب لي في بعض الأحيان من أمي وأبي، ولكن منذ صغري كنت أنا الشقي، والسبب في كل ما هو سيء وقبيح، وأخي هو الملاك الذي يتمنى الجميع أن يصبح مثله.

كنت أشعر بالظلم في معظم الوقت، وفي عمر صغير جدا، كنت أتساءل طول الوقت: لماذا تتم هذه المقارنة الظالمة؟ أنا لست شخصا سيئا حتى لا أجد أحدا يحبني، ربما كنت كثير الحركة أحيانا، ربما لم أكن بنضج أخي الاجتماعي والعقلي، لكن كان بالتأكيد لدي بعض الصفات الحسنة، هل لأن أخي كان مثاليا جدا، وعند مقارنتي به أصبح أنا الشيطان عينه؟

بدأت في محاولة تقليد أخي، قلدت كل شخص أعجب به في حياتي، في ضحكتهم، مشيتهم، وطريقة كلامهم، كنت أحاول الهرب في كل وقت من أن أكون نفسي، أعاتب نفسي في كل الأوقات، لماذا قلت هذا، لماذا نظرت بهذة الطريقة، أو لماذا ضحكت بهذه الطريقة؟

مع الوقت شعرت بعدم وجود شخصية لي، وبالمعنى الأصح كلما أكون على طبيعتي أندم وأقوم بتأنيب نفسي بشدة، أبكي في كثير من الأحيان لوحدتي وعدم وجود أحد يحبني فعلا (يحبني أكثر من أخي)، ظل هذا الأمر معي حتى الآن.

حاولت أن أجد نفسي وأكون شخصيتي لكن بلا جدوى، أنتهي بتقليد شخص آخر، وأخاف إلى أن أصل لدرجة كره أخي، أريد أن أتوقف عن مقارنة نفسي به، أريد أن يحبني الناس، أريد التوقف عن الشعور بالنقص، وأريد أن أكون أنا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصعب حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

أهلاً وسهلًا بك -ابني الكريم- ونشكر لك ثقتك وتواصلك معنا.

بداية: إن من أسباب عدم تقدير الذات هو إحساسنا بحالة من الإحباط واليأس، وشعور يتسم بعدم الرضا عن النفس؛ مما يفقدنا الثقة بها، وهذا الشعور لا يتكون في ليلة وضحاها، فهو ينمو في فترة الطفولة بسبب طريقة معاملة الأهل أو الإخوة أو المقربين، أو ربما المدرسين، وهذا المناخ يولد لدينا الشعور بالنقص، وعدم الرضا عن النفس، وقد ينشأ اختلال بالشخصية والصورة الذهنية عن النفس في مرحلة ما بعد الطفولة أيضًا، وهذا ما كنت قد عبرت عنه في رسالتك بقولك مثلاً: "أبكي في كثير من الأحيان لوحدتي وعدم وجود أحد يحبني فعلا (يحبني أكثر من أخي)، حاولت أن أجد نفسي وأكون شخصيتي لكن بلا جدوى، أنتهي بتقليد شخص آخر، أخاف أن أصل لدرجة كره لأخي بسبب هذا..إلخ" كل هذه الأمور مجتمعة تركت في داخلك أثرًا سلبياً، وظهرت ملامحه في سن المراهقة وإلى غاية الآن .

وجوابا على ما انتهت به استشارتك حيث قلت: "أريد التوقف عن الشعور بالنقص، أريد أن أكون أنا"، نعم بُني يمكنك ذلك، وكل ما عليك اتباع بعض الخطوات -والله ولي التوفيق-:-

* يجب أن تكون فخورا بأن الله خلقك مسلما وبصحة جيدة، وأنعم عليك بعائلة كريمة، فعليك منذ هذه اللحظة أن تكتب على ورقة كل المواقف التي سببت لك المضايقة من الآخرين، وارمها في البحر.

* أدعوك إلى جلسة مصارحة مع نفسك، وأن تكتب نقاط قوتك ونقاط ضعفك، وأنا على يقين أنَّ لديك الكثير من نقاط القوة التي سوف تكون عونًا لك على تخطي هذه المرحلة.

* ابدأ يومك بقراءة القرآن؛ فله أثر على تهدئة النفس، والشعور بالطمأنينة، ولا تنسَ أذكار الصباح والمساء، وادعُ لنفسك ولأهلك بعد كل صلاة، وأكثر من الاستغفار.

* يجب أن يكون لك أثر إيجابي بين عائلتك؛ من خلال الكلمة الطيبة؛ وهذا سوف ينعكس إيجابًا على تقديرك لذاتك، ومساعدتك لهم تعزز ثقتك بنفسك.

* ركز على الجوانب الإيجابية لديك، واكتبها على ورقة، وعلقها في مكان خاص بك، واقرأها باستمرار، وطور مهاراتك الثقافية من خلال القراءة والمطالعة على كل ما هو جديد في العالم، على صعيد الحياة الاجتماعية والنفسية، والاقتصادية والسياسية؛ فالعالم يمر بمتغيرات سريعة، وعلينا أن نكون ملمين بكل ما يجري من حولنا؛ لنكون على بينة، ونشغل فكرنا بما يفيدنا ويفيد المجتمع؛ فكلنا راع ومسؤول أمام الله -عز وجل-.

* لا تقارن نفسك بالآخرين، وكن "أنت"، وحدد وقتاً خاصًا لك تمارس هواية تحبها أو أي نوع من أنواع الرياضة؛ فهذا سوف يشعرك بالرضى والراحة النفسية.

* اهتم بمظهرك، وأحب نفسك، وحافظ على لياقتك البدنية، واستمتع بحياتك دون الخروج عما حدده الدين والأخلاق.

* شارك في دورة عن تطوير الذات إذا أمكن لك ذلك، أو أي من الدورات المعنية بتثقيف الشاب المسلم.

* جالس الصالحين وأصحاب الهمم العالية، وإياك ومجالسة من همهم الفساد أو ضياع الأوقات، فالصاحب السيء يقودك للسوء معه، أما الصاحب الصالح فإنه لن يضرك في أي حال.

وأخيرا: أحيي في نفسك محبتك لأخيك، فالأخ هو السند للزمان والعون في الشدة، وتمعن معي في هذه الآية الكريمة حيث أشار الله تعالى فيها إلى أهمية دور الأخ التربوي مع أخيه من خلال قصة النبي موسى -عليه أفضل الصلاة والسلام- وحديثه عن هارون، حيث قال -عز وجل-: "قال ربي أشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري"، فهذه الآية تدل على مكانة الأخ، ولم يسجل التاريخ برّ أخ بأخيه كما فعل موسى، وأتمنى عليك بني أن تحافظ على محبتك وعلاقتك بأخيك، فهو سند لك وأنت كذلك.

أسأل الله لك التوفيق والهداية والتميز، وراحة البال، ويُمكنك التواصل معنا مجددا إن احتجت لذلك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً