الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي الوسائل التي تعينني على الثبات؟

السؤال

السلام عليكم
جزاكم الله خيراً عن موقعكم.

سؤالي: إذا تبت من الذنب عدة مرات، ثم عدت ورجعت حتى ظهرت لي آية فقررت التوبة تماماً، وعاهدت الله على عدم الرجوع للذنب مرة أخرى، وبعد فترة عدت مرة واحدة للمعصية وتبت -والحمد لله- وندمت، فهل في هذا إساءة للأدب مع الله سبحانه وتعالى أو معصية؟ لعدم ثباتي على التوبة بعد أن أرسل الله لي الأسباب لأتوب.

السؤال الثاني: أريد دراسة الفقه ولكن لا أعلم الاختلافات بين المذاهب الأربعة، ولا أعلم أيها أتبع، ويصعب علي أن أتعمق فيها جميعاً، فماذا أدرس لكي أتعمق في فهم الفقه؟

علما بأن مصدري الوحيد هو الإنترنت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية نرحب بك في موقعنا، ونسأل الله أن يتولاك بحفظه، والجواب على ما ذكرت:
لقد شرع الله لعباده التوبة رحمة بهم، وحتى يخلصهم مما كانوا عليه من الإثم، وحتى تزكوا أنفسهم، ولقد أحسنت بتوبتك والعودة إلى الله تعالى، والحمد لله الذي وفقك إلى ذلك.

هنا أمر مهم لا بد أن يعلمه كل واحد منا، وهو أنه يجب أن نتوب إلى الله تعالى إذا عدنا إلى الذنب مرة أخرى، ومهما تكرر منا الذنب لا بد أن نتوب، ولنعلم أن الذنب الأول يمحي عنا بالتوبة، وهكذا كل ذنب يليه إذا أعقبناه بتوبة فإنه يمحى عنا.

لهذا عليك أن تتوبي إلى الله من الذنب الذي وقعت فيه الآن وسارعي إلى ذلك، ولا تقنطي من رحمة الله، فالله رحيم بعباده، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ : " أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ". قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: لَا أَدْرِي أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ : " اعْمَلْ مَا شِئْتَ ". رواه البخاري ومسلم.

مما ينبغي أن تعلمي أن عودة الإنسان إلى الذنب مرة أخرى بل أحياناً يعود إليه وكأنه لم يتب منه من قبل، سبب ذلك أنه لم يأخذ بالوسائل التي تعينه على الثبات على الدين، والاستمرار في طريق التوبة، ومن باب النصح أرجو أن تأخذي بهذه الوسائل حتى ثبتي على الحق:

- المداومة على العمل الصالح قال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات"، وروى أحمد والترمذي عن معاذ قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".، وطبيعة النفس إذا لم تشغل بالطاعة شغلت بالمعصية، ولهذا ينبغي أن يكون لك برنامج عملي يومي، فيه المحافظة على الصلاة، وقراءة القرآن، وزيارة الأرحام، ورعاية المحتاجين، ونحو ذلك من وجوه الخير.

- استشعار قبح الذنب وخطره وضرره في الدنيا والآخرة ولزوم الخلاص منه.

- الابتعاد عن كل ما يدعو إلى المعصية، من مكانها، أو الرفقة السيئة التي تذكر بها، ولزوم مجالسة الصالحات، فقد جاء في جواب العالم لقاتل المائة نفس كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "... ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء".

-المداومة على ذكر الله تعالى، وكثرة الاستغفار والإكثار من قول لاحول ولا قوة الا بالله.

- إتلاف الأدوات التي كان يمارس بها المعصية أو الابتعاد عنها، إن وجدت، فمثلاً في مسألة المسلسلات الهابطة، لا بد من إيجاد بدائل نافعة بديلاً عنها من الاشتغال بالقراءة، والمشاركة في دورات علمية ومشاهدة مقاطع علمية نافعة.

- الحذر من الفراغ من غير أي عمل جاد، أو الإكثار من الجلوس منفردة، لأن هذا مدعاة إلى العودة إلى الذنب، فإن الفراغ من غير عمل مهم نافع في الدنيا والآخرة، وكثرة الخلوة يكون فرصة ومدخل للشيطان لدفع النفس إلى المعصية.

- قراءة الآيات والأحاديث المخوفة للمذنبين وخطر الذنب في الدنيا والآخرة.

وختاما في إجابة السؤال الأول، العودة إلى الذنب، لا يلزم أنه إساءة الأدب مع تعالى، ولا ينبغي تصور ذلك، فإن التفكير بهذه الصورة سيكون سببا للشيطان كمدخل له حتى يحرمك من التوبة، ويقنطك من رحمة الله، ومعلوم أن العودة إلى الذنب سببه الهوى واتباع الباطل ، ونزغات النفس الإمارة بالسوء، ووسوسة الشيطان، وغير ذلك.

أما إجابة السؤال الثاني، دراسة الفقه مهم ولك أجر على ذلك، وأرجو أن تدرسي على المذهب الفقهي السائد عندكم، ويمكن أن تأخذي كتابا مختصرا في المذهب، وأرى أن الأحسن في البداية لك أن تقرئي على يد طالبة علم إن وجدت، أو أنك ستجدين في اليوتيوب وغيره الكثير من الشروح لكتب المذاهب، من المختصرات إلى المطولات، فقط تكتبين في قوقل عبارة كيف أبدأ في دراسة المذهب الفلاني (مذهب بلدك) وستجدين خططا مفصلة من الإخوة الأكارم في المواقع وبالتفاصيل، وحددي لك جدولا تسمتعين فيه وتنظرين للتقدم الذي حصل معك، وعند وجود بعض الصعوبات في البداية فهو شيء عادي، بعد فترة سترين الفقه بشكل أسهل، لأنك تعودت على مصطلحاته وعباراته.

لا ينبغي لطالبة العلم المبتدئة أن تخوض في الخلافات بين المذاهب، لأنها لن تستطيع أن ترجح أحد الأقوال وهي ليس لديها القدرة على ذلك، بل الأفضل التركيز على ضبط المذهب وإتقانه، وهذا يحتاج لفترة، وينبغي لطالب العلم عدم الاستعجال في التحصيل العلمي، لأنه لن يحصل على أي نتيجة حينها، فأقنعي نفسك أن طلب العلم يحتاج لصبر وتدرج وقراءة كتب مختصرة في المذهب على يد طالبة علم تفك عبارات المؤلف ومن ثم تتدرجين رويدا رويدا.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً