الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي قلق وتوتر وأفكار سلبية واكتئاب وحزن

السؤال

السلام عليكم

لدي قلق وتوتر وأفكار سلبية، واكتاب وحزن وضيقة وإرهاق وتقلب في المزاج.

أنا كنت من حفاظ القرآن ولا أترك الصلاة أبداً، وتعرضت لكثير من المشاكل والهموم والوحدة
والضرب والتوبيخ والإهانة المستمرة.

أنا الآن بعمر ٢٥ سنة، وعاطل وما قدرت أتحمل، صرت أتكلم مع نفسي وأخلق حوارات ونقاشات في مواضيع، وأتخيل أني أكلمهم وكأنهم موجودون.

دائماً أشعر بحرارة تنبعث في جسمي فأقوم وأقف وأمشي وأتكلم بعصبية، وتخرج (سعابيل) واحمرار الوجه والعروق، ومهما أتوضأ أو أقرأ ما أهدأ، وهذا أثر على علاقي بأصدقائي، والوظائف والدراسة.

أنا وحيد دائماً أنظلم ولا آخذ حقي وأضرب من غير سبب، أحياناً أبكي وأحياناً أضحك، ما أعرف، ذهبت لطبيب نفسي وقال: إن فيك ثنائي القطب وما نفع الدواء.

ذهبت لطبيب آخر وقال: إنه فيك أعصاب، ونتيجتي للأشعة سليمة، وأنا سقطت على رأسي وأنا بعمر ٣ سنوات، وتنومت والكل يضحك علي دائماً ويستهزئون بي، ويحتقرونني ويجحدونني.

ليس لي مكان مخصص للنوم، فلا خصوصية، وأعاني من أرق ٢٤ ساعة ما نمت، وكل ما أنام تجيئني نوبة عصبية، وأتخيل أنهم يعاتبونني ويضحكون علي، وأراهم معي فقط لأني أتخيلهم معي، ولا أعرف أقابل جمهوراً، ولا أحضر عزائم ولا حفلات.

كل ما جئت يضحكون علي، يقولون: إن الحفلة ليست لك، أنت ما تستحق أن نصلح لك حفلة، ويضحكون علي بدعوى أني دائمًا فاشل، وأني ولد أخدمهم وأني ليس لي قيمة.

أحس أني منبوذ ويستفزونني دائماً ولا يتركون لي وقتاً أتكلم أو أعبر عن نفسي، وكل حرف يطلع مني يؤولونه ضدي، دائماً عندهم نظرات اشمئزاز وقرف وكره لي، وأنا ليس لدي شيء أصرفه على نفسي، وما أعرف كيف أتعامل مع المواقف، وما عندي أحد يرشدني، والكل ينتقدني

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مشكلتك الأساسية هي أنك تقيّم نفسك تقييمًا خاطئًا، أنت تقيّم نفسك بصورة سلبية جدًّا، ولا تعطيها حقّها، الله تعالى خلقك في أحسن حال، فلماذا يا أخي تقلِّل من قيمة ذاتك؟ وما تراه من إيذاء من جانب الآخرين ناشئ عن تفكيرك حول نفسك.

الخلل في تفكيرك أنت - أخي الكريم - الإنسان يجب ألَّا يُضخّم نفسه، لكن أيضًا يجب ألَّا يُقلِّل من قيمة نفسه ويزدريها ويحتقرها.

أخي الكريم، أرجو أن تفكّر حول نفسك بصورة أفضل، لا بد أن تكون لك إيجابيات – أخي الكريم – تذكّر هذه الإيجابيات، وحتى إن كانت إيجابيات بسيطة يجب أن تنمّيها، وتطوّرها، وتتقبلها، وتُقلِّص من السلبيات أخي الكريم.

هناك أمور بسيطة إذا قمت بها في الحياة سوف تشعر بقيمتك، وهي:
أولاً: يجب أن تجد عملاً، الرجل بدون عمل لا قيمة له أبدًا، أي عمل مهما كان طبيعة هذا العمل، مهما كان الراتب الذي سوف تجنيه من هذا العمل، لابد أن تبحث عن عمل، هذا يعطيك قيمة ذاتية كبيرة.

الأمر الآخر هو: يجب أن تلتزم بالواجبات الاجتماعية، هنالك واجبات اجتماعية حتّمها علينا ديننا الحنيف (الإسلام) وكذلك المجتمع، مثلاً: أن تزور المرضى – يا أخي – هذا واجب اجتماعي عظيم، سوف يُشعرك فعلاً أنك تقوم بأشياء إيجابية في الحياة، أن تلبي الدعوات – كالأعراس مثلاً – أن تمشي في الجنائز، أن تقدّم واجبات العزاء، أن تصل رحمك، أن تتفقّد الضعيف.

يا أخي: الواجبات الاجتماعية موجودة في مجتمعنا، ومَن يقوم بها يُقوّي شخصيته ويُنمِّيها ويشعر بقيمتها، علاج بسيط، أنا لا أريد أن أعطيك نظريات من هنا وهناك، أنا أعطيك أمورًا علاجية موجودة في المجتمع، فابدأ في فعل هذه الأشياء.

الأمر الآخر: نظم وقتك، لا تجعل الوقت يقودك، يجب أن تقود أنت الوقت، يجب أن تنام ليلاً مبكّرًا، تتجنب السهر، تستيقظ لصلاة الفجر، تمارس رياضة، وتقوم بالواجبات الاجتماعية، وتعمل، هذا هو علاجك، هذا هو علاجك.

بالنسبة لموضوع ثنائي القطبية: إن كان لديك ثنائي قطبية هذا تشخيص رئيسي يجب ألَّا نهمله، ويجب ألَّا تهمله، واصل مع الطبيب الذي قال لك هذا الكلام وهذا التشخيص، أنا لا أرى حقيقة أي بوادر ثنائية قطبية، أنا أرى أنه هنالك تكاسل، تقييم سلبي للذات، أرى سلبية، أرى عدم التزام بالواجبات الاجتماعية، لا أرى تنظيمًا للوقت يا أخي الكريم، أنصحك أن تصلي مع الجماعة، هذا أيضًا أمرٌ عظيم، وواجب ديني وواجب اجتماعي أيضًا.

أرجع مرة أخرى لموضوع ثنائية القطبية: ناقش هذا الموضوع مع الطبيب، أنا لا أرى حقيقة أي علامات أو مؤشرات له، لكن رأي الطبيب الذي قال لك هذا رأيٌ مهمٌّ، لأنه قد فحصك، فإذًا هو في موقع أفضل مني لأن يقيّمك بصورة صحيحة.

أخي: عليك بصحبة الطيبين الصالحين، الإنسان لابد أن يبحث عن النماذج الطيبة في الحياة، لابد أن نصاحب الأخيار الصالحين، لابد أن نخالل الذين هم حملة المسك، لأنك إما إن تبتاع منهم أو تنال منهم الخير وتنال منهم كل جميل.

أنا أريد أن أصف لك دواءً بسيطًا جدًّا، سيساعدك في هذا القلق وفي هذا التوتر: الدواء يُسمَّى (سلبرايد) واسمه التجاري (دوجماتيل) وسعره زهيد جدًّا، تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوع، ثم تجعلها خمسين مليجرامًا صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم تجعلها خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناوله، لكن كما ذكرتُ لك مراجعة طبيبك يعتبر أمرًا هامًّا.

أخي: نحن الآن قادمون على شهر رمضان، أرجو أن تُشمّر عن ساعديك، وأرجو أن تستفيد من هذا الشهر العظيم، شهر الخيرات، شهر الصيام، شهر القرآن، لابد أن تحصد فيه الكثير من الخير والحسنات، (إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا).

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً