الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي يرفضون الخاطب لشكله، فهل يحق لي الزواج بلا موافقة أبي؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 30 سنة، تأخر زواجي بسبب رفضي المتكرر للمتقدمين لأني لم أجد فيهم ما اشترطه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دين وخلق، أبسط شروطي الالتزام الصلاة والفروض، وأن لا يكون فاحشا ولا بذيئا، ويعينني على جهاد نفسي.

أهلي يطمحون بتزويجي ممن يملك مالا وجاها وشكلا جميلا، ولا يشترط حتى التزامه بصلاة أو حسن خلق، وتتولى أمي الموافقة والرفض على الرغم من أن أبي على قيد الحياة، ولكنها لا ترغب إلا أن يكون قرارها هي، ويتبعها أخوتي في ذلك.

تقدم لي مهندس شاب، أحواله المادية متوسطة، لكنه حسن الخلق وملتزم، فوافقت عليه، لكن أمي رفضته، ونعتني أخي بألفاظ قاسية، وحاولت أن أوضح لهم نص الحديث " إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، لكنهم رفضوا وأجبروا والدي على الرفض أيضا.

تحملت أذاهم سنة ونصف، ورغبت في السفر للدراسة، مع علمي أن السفر بلا محرم لا يجوز، لكن تقدم لي الشاب مرة أخرى بعد تحسن وضعه المادي، ولكن أمي رفضت أيضا لأن شكله لا يعجبها، وأنا خائفة أن يرفضه أبي، فهل يجوز أن أتزوجه بولي غير أبي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الفاضلة- وردا على استشارتك أقول:
لا شك أن الخير كل الخير في اتباع السنة النبوية المطهرة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها وإن كرهها سرحها بإحسان.

من العقبات التي تعرض إعفاف الشباب ذكورا وإناثا ربط الزواج بالقضايا المادية، وكذلك أن يتولى الموافقة والرفض غير صاحب القضية وهي المرأة، فهي من سيتزوج وليس الأب ولا الأم ولا الإخوة، ومن هنا تختلف آراء هؤلاء ويتم رفض المتقدمين فتكون المرأة هي الضحية.

لا يدري هؤلاء أن قضية الأرزاق بيد الله تعالى، فمن كان في حال تقدمه غنيا قد يفتقر بعد الزواج، ومن كان فقيرا قد يغتني بعد الزواج، والمؤمن دائم التوكل على الله سبحانه ويحسن الظن بالله وهو القائل سبحانه: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فهل يدرك هؤلاء أن تعنس بناتهم وعزوف المتزوجين عنهن يعد فتنة وفسادا كبيرا.

إنما جعل الله سبحانه الولاية للأب في حال ما إذا كان ينظر مصلحة ابنته ولا يتسبب في إفسادها، أما إذا وصل الحال إلى عضلها ومنعها من الزواج فالشرع ينزع عنه الولاية وتنتقل ولايتها إلى القاضي.

الذي أنصحك به في حال ما إذا امتنع أهلك من تزويجك بهذا الشاب الذي وصفته بأنه صاحب دين وخلق بأن ترفعي قضيتك إلى المحكمة وتطلبي منها أن تزوجك بهذا الشاب، هذا هو الذي دلت عليه النصوص الشرعية، فقد جاءت فتاة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء، ونص فقهاء الإسلام أن الولاية تنتقل إلى القاضي في حال عضل الأب ابنته.

تعلمين أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فعليك أن تتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة مع تحين أوقات الإجابة وتسألين الله تعالى أن يلين قلب أمك وأبيك وأن يلهمها الرشد، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة.

اعلمي أن الزواج رزق يسير وفق ما قضاه الله تعالى، فمن كان من نصيبك فسوف ييسر الله الأمر ويلين القلوب ولن يستطيع أحد الاعتراض، ومن ليس من نصيبك فمهما بذلت من أسباب فلن تتمكني من الزواج به.

أوصيك أن تجتهدي في تقوية إيمانك بالله من خلال كثرة العمل الصالح، فالحياة الطيبة السعيدة إنما توهب لمن آمن وعمل صالحا كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

أكثري من تلاوة القرآن العظيم وحافظي على أذكار اليوم والليلة، فذلك من أسباب طمأنينة القلوب يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً