الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إحساس غير مسبق بالعجز وعدم الهمة والملل من الحياة!

السؤال

السلام عليكم

أنا بعمر 18 عاماً، وقد أنهيت لتوي الشهادة الثانوية، ولدي شكوى من إحساس كان وما زال لدي من حوالي أربع سنوات.

دائماً ما أشعر بالضيق والكسل، أشعر أنني قد اختلفت عن ما كنت في الماضي، حيث كنت شخصاً لعوبا مرحا قلما يراه أحد حزينا، ومنذ أربعة أعوام وجدت في نفسي حدة وشدة لم أرها قط، أرى عدم رغبة شديدة جدا تجاه أي شيء، وعدم القدرة على التركيز حتى في أحب الأشياء لدي.

دائما كنت أخاف الله واستغفره فور ارتكابي أي معصية، وأندم شديد الندم، وكنت دائما -في دائرة الأشخاص من سني- من الأعقل والأحكم والأعلى أدبا- رغم تصرفي باستهتار ومرح معظم الأحيان؛ والآن لا أجد مرحا ولا استهتارا إنما أجد حدة تخيف الناس، وشدة تنفرهم.

وأسوأ شيء أن هذا الأمر قد ظل معي طوال مدة الدراسة وأثر علي فيها بالخصوص، كنت دائما متوسط المستوى مائلا للتفوق ودون أن ألحظ بت ضعيف المستوى؛ أثر علي جدا خلال السنة الماضية، حيث لم أكن راغبا في العمل أو حتى في اللعب، كنت أشعر أن كل عملي لا جدوى منه، وأن كل ساعات مذاكرتي غير مفيدة حقا، وأنني أنسى بسرعة وغير قادر على التحصيل، ولم أكن أخرج لألعب خلال هذه السنة، وحتى أحب هواياتي تركتها وهنا كانت الفجيعة، أثر ذلك أثراً بالغا في مجموعي في أهم سنة دراسية في حياتي، ووضعني في مأزق سأحكي عنه في استشارة أخرى لاحقا -إن شاء الله-.

السؤال: ماذا أفعل لأخرج من هذه الحالة؟ أنا لا أشعر بشيء أو أشعر بمشاعر طفيفة جدا غير "ديناميكية" كما كانت من ذي قبل. كيف أرجع لحب الحياة والتشوق لها؟ كيف أكون جيدا كما كنت منذ أربع سنين مضت أو حتى أفضل؟

جزاكم الله كل الخير مقدماً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك أخي الكريم وردا على استشارتك أقول:

التغير في نمط عيش الإنسان أمر طبيعي فحياته، قبل سن المراهقة لن تكون كحياته في سن المراهقة، وحياته بعد المراهقة لن تكون كما كانت في سن المراهقة، فهذه التغيرات والتقلبات طبيعية جدا وينبغي ألا تركز عليها كثيرا، وعليك بما سأقوله لك من موجهات.

حافظ على الصلوات الخمس في جماعة، فالصلاة تنير القلب، وتشرح الصدر، وتشعر النفس بالسعادة الحقيقية، والبعد عن الله يسبب ضيقا في الصدر، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) فبينت الآية أن من أعرض عن ذكر الله فإنه حياته تكون ضنكا، ومن مقتضيات ذلك ضيق الصدر وقلق النفس وكآبة القلب.

النوم العميق ليلا، وعدم الاستيقاظ لأداء ما تيسر من صلاة الليل سبب من أسباب الكسل، وأداء شيء من صلاة الليل قبل صلاة الفجر سبب من أسباب النشاط طيلة اليوم، كما ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ).

أوصيك بالرفقة الصالحة فالمرء على دين خليله ويتأثر بسلوكياته وأخلاقه، يقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ويقال في المثل: الصاحب ساحب.

احذر من العزلة فإنها ستزيد الطين بلة، وعليك أن تختلط بالناس، مع الحرص على التخلق بالأخلاق الفاضلة.

عليك أن تتذكر دائما أن مما يدخل الجنة ويباعد عن النار حسن الخلق، وأن سوء الخلق مما يباعد عن الجنة يقول عليه الصلاة والسلام: ( إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَسَاوِيكُمْ أَخْلَاقًا).

عليك أن ترتب حياتك ترتيبا صحيحا، وأن تمارس ما تحب من الرياضة بشكل مستمر، ولا تغرق في عمل واحد فتنوع الأعمال يخرجك عن الروتين ويبعدك عن الملل، قال سلمان الفارسي لأبي الدراداء رضوان الله عليهما وقد رآه عزف عن امرأته وانشغل بالصيام والصلاة: (إِنَّ لِرَبِّكَ عليك حَقًّا، وإِنَّ لِنَفْسِكَ عليك حَقًّا، ولأهْلِكَ عليك حَقًّا. فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) فأتى أبو الدرداء النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم :(صَدَقَ سَلْمَانُ ).

عدم تقبلك لمن حولك والتعامل معهم بغلظة ناتج عن التغيرات السيكولوجية في جسمك كونك تمر بمرحلة المراهقة، ولكن بإمكانك التحكم بتلك التصرفات من خلال تذكرك بما تحب أن يعاملك الناس فعامل الناس بما تحب أن يعاملوك، وتذكر أن الناس سينفضون من حولك إن استمريت على هذا النهج.

اختلط بالصالحين من زملائك واستفد من سلوكياتهم الحسنة، واجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، وخاصة نوافل الصلاة والصوم، وتلاوة القرآن، فالعبادات تهذب النفس.
أوصيك بأن تقرأ في كتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله، مع تطبيق ما تقرأه في حياتك اليومية، فالكتاب نافع وماتع في باب الرقائق والسلوكيات.

شارك في الأعمال الاجتماعية والطوعية، وعود نفسك على زيارة المرضى في المشافي، ومسح رؤوس الأيتام فذلك من أسباب تهذيب النفوس.

أكثر من الدعاء وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة وخاصة الثلث الأخير من الليل والساعة الأخيرة من يوم الجمعة، وسل الله تعالى أن يصلح حالك، وأكثر من دعاء: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت).

حافظ على أذكار اليوم والليلة فإنها وقاية لمن حافظ عليها من كل شر.
اجتهد في تقوية إيمانك من خلال تنويع الأعمال الصالحة فقوة الإيمان وأداء العمال الصالحة من أسباب سعادة الإنسان في هذه الحياة يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

عليك أن تدرك أن سر وجودنا في هذه الحياة هو عبادة الله سبحانه قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والمقصود بالعبادة هنا هو كل حركات الإنسان وسكناته.

كل عمل يعمله الإنسان في هذه الحياة يصير عبادة بالنية قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (وابتسامتك في وجه أخيك صدقة) ويقول: (وفي بضع أحدكم ـ مجامعة الرجل زوجته ـ صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا)، ويقول: (حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك لك فيها أجر)، وقال معاذ بن جبل لأبي موسى رضوان الله عليهما: (إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)، فانظر كيف جعل الشرع الأعمال اليومية الروتينية تنقلب إلى عبادة يؤجر عليها الإنسان لكن بالنية التي يغرسها المسلم في قلبه.

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً