الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يحاسبني في مالي الشخصي ويمنعني من حقوقي.. هل يحق له ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب، أبلغ من العمر ٢٢ سنة، طالب شريعة متفوق -والحمد لله- مشكلتي تتلخص مع أبي.

أبي دائماً ما يفتش أغراضي الشخصية (جوالي-محفظتي- غرفتي- سيارتي- دولابي)، بل تطور به الأمر أن يفتشني أنا بداعي أنه يخاف علي من رفاق السوء في الجامعة، فهل هذا حق له؟

كذلك أبي يمنعني من الخروج من المنزل، أيضا لأنه يخاف علي، لكني أخرج كثيرا لقضاء حوائجه الشخصية، ولا أخرج لقضاء حوائجي، فهل يحق له ذلك، وهل إذا خرجت أكون عاقا؟

كذلك أبي يحاسبني في مالي الشخصي (مكافأتي) أين أصرفها؟ وكم أدخر؟ بل ولا يسمح لي بشراء شيء إلا بعد أذنه، ولو كان شيئا مباحا، لكنه لا يريده، مثل أن أشتري (بعض ألعابي)، فهل يحق له ذلك؟

كلما تحدثت معه قال لي أنت ابني، أنت ملكي ولست ملك نفسك، تفعل ما أقوله لك، وإذا لم ترد العيش معي أخرج من المنزل.

حينما أريد الخروج من المنزل يقول لي سأدعو عليك ليلاً ونهاراً، وأنت لست ابني وسأحرمك من أمك، ومن ميراثك، بل يقول لي أنه سيخبر كل أقاربي بأني عاق له، فما هي حدود البر؟ فقد نفذ صبري، وهو أبي يشهد لي بلسانه أني أنا أكثر من يخدمه، فلست مقصرا في حقه -والحمد لله-.

وعذرا على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نزار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -ابننا- في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال، ونسأل الله أن يعينك على البر وصالح الأعمال، وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق لك وبك الآمال.

نحن لا نؤيد ما يفعله والدك من تفتيش وتنبيش، لكننا نذكرك بدوافعه النبيلة وبمقصده الحسن من أجل أن تجعل تركيزك على مقصده، وليس على عمله.

ندعوك إلى أن تستمر في تميزك، وتثبت على ما أنت عليه من التفوق والخير والنجاح، ولا مانع من أن تتحاور مع والدك بهدوء واتركه إذا غضب، ولا تفكر في الخروج من المنزل، ووضح له ما تقوم به، فإن الوضوح والصراحة من أكثر ما يعمق ثقته فيك.

لا أظن أن هناك إشكالا كبيرا أمام المثاليين المتميزين من أمثالك إذا تعرضوا للتفتيش والبحث من قبل الوالد أو الوالدة، واعلم أن قربك من الوالد، وحرصك على بره وتنفيذ طلباته لن يزيدك إلا نجاحا وفلاحا، وتذكر أن صبرك على ما يحصل باب واسع من أبواب البر والإحسان لوالدك، وإذا لم نصبر على آبائنا وأمهاتنا فعلى من سيكون الصبر.

أكرر ما يحصل من الوالد لا يخلو من الإزعاج، وليس في الشرع ما يبرر له، خاصة مع عدم ظهور أي نوع من المخالفات عندك أو عليك، ولكننا لا نوافق على التصعيد أو المواجهة معه.

إذا كان ما يحصل معك معروف للوالدة وللمقربين من الوالد، فلا مانع من أن يكون لهم دور في مناقشة الوالد؛ شريطة أن يكون الوالد من النوع الذي يقبل النقاش، وشهادة الوالد لك بأنك أكثر من يخدمه مصدر فخر لك، واعتزاز فحافظ على هذا الشرف، واحرص على شراء ما يفيد، ولا تحاول فعل شيء من ورائه حتى لا يغضب، ولا مانع من أن تحاول مناقشته بهدوء إذا كنت ترغب في شيء، وهو لا يحبه، وقدم بين يدي مناقشتك له ألوانا من البر، واختر الأوقات المناسبة والألفاظ الجميلة.

أرجو أن يعلم الأبناء البررة جميعا أن بعض تصرفات الآباء أو الأمهات لا تدل على عدم الثقة فيهم، ولكنها تدل على الخوف عليهم في زمان كثر فيه الشر وشاع وانتشر، وهو بذلك خوف على الأبناء وليس خوفا منهم أو عدم ثقة فيهم، وفهم الأبناء وتفهمهم للأمر من أهم ما يعينهم على تحمل تلك التصرفات.

هذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، وننصحك بحمل تصرفات الوالد على أحسن المحامل، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يسدد خطاك، وأن يلهمك رشدك ويحفظك ويتولاك.

سعدنا بتواصلك، ونسأل الله أن يحفظك وينجحك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً